للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما إذا وضعت الحكومة ضريبة جديدة، اختل هذا الميزان طبعاً وأخذ يترجح يمنة ويسرة، لأن المنتجين تفاجئهم الضريبة فيضطرون إلى تحملها في أرباحهم أو إلى زيادة أسعارهم بها، وفي كلا الحالتين يطرأ الارتباك على سوق البضاعة: لقلة في العرض ناتج عن ضآلة الأرباح، أو لقلة في الطلب ناتج عن ارتفاع الأسعار

هذا هو ما دعا الحكومات الرشيدة إلى الإبطاء في تبديل نظام الضرائب الجاري في بلادها وقصر التعديلات فيه على أقل حد ممكن، لأنها تعلم خطر التغييرات المتعاقبة على النظام الاقتصادي المستقر على حالة راهنة

وإذا نظرنا إلى الإسلام نجد ضرائبه على قسط كبير من الوضوح والاستقرار، ولعله قد فاق كل نظام في هذا المضمار، إذ أن رسول الله قد وضع نظاماً ثابتاً للصدقات لا يتغير على مدى الأيام، وهاهو ذا جزءاً من الفقه يتدارسه المسلمون جيلاً بعد جيل، وعندما حدثت في الإسلام أوضاع جديدة احتاجت إلى أنواع أخرى من الضرائب كما حدث في عهد عمر، وضع الفقهاء كما بينا سابقاً ضرائب جديدة أثرت من بعدهم واتبعت اتباعاً طويلاً

وكأن الإسلام قد شعر بما يشعر به علماء اليوم من أن الضريبة القديمة ليست ضريبة فشرع للناس شرعة الضرائب الثابتة، وهي ما كانت الأمم القديمة لا تعرفه ولا تهتم به

فلا ريب في أن الملك في الزمن القديم كان يبغت الناس بين كل آن وآخر بضريبة جديدة، تبعاً لما كان يشعر به من حاجة إلى مال، أو رغبة في ادخار

وبهذه المناسبة نود أن نطلع القارئ على طريقة في الجباية كانت مستعملة في الزمن القديم، ولا تزال بعض الدول اليوم تعتمد عليها أحياناً، تلك هي طريقة التوزيع ويلاحظ فيها أن الحكومة لا تعين نسبة الضريبة في قانون ثابت، حيث تؤخذ من الفرد كل سنة كما تقتضي قاعدة الوضوح إنما تعين الحكومة مقدار حاجتها من المال في رأس السنة المالية ثم تقسم هذا المقدار على الولايات لتؤدي كل منها حصتها المتناسبة من الضريبة العامة. وحاكم الولاية بدوره يفرض على أفراد ولايته ما يشاء من وزيعة، إذ هو مسؤول على وفاء ما تطلب منه الحكومة المركزية بكل وسيلة

حقاً، إن هذه الطريقة سهلة الإدارة واضحة المعالم بالنسبة للحكومة، لكن فيها ظلماً وفيها غموضاً بالنسبة لدافع الضريبة، ذلك لأنه لا يعرف مقدار الوزيعة التي تؤخذ منه كل سنة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>