فإذا كانت حاجة الحكومة كبيرة في إحدى السنين، أرهق الفرد في دفع حصته من ذلك من غير اهتمام كبير في ما ينتج الفرد أو يستطيع؛ ولذلك يبقى حائراً في كل حين، لا يدري مقدار الوزيعة التي ستفرض عليه، ولا يقدر إذن أن يتضح أثرها الاقتصادي في تكاليفه المقبلة وأسعاره
أما الإسلام، فلا نعلم أنه لجأ مرة إلى مثل هذه الطريقة، وكل الذي نعرفه في هذا الموضوع، هو أنه كان يوصي عمال خراجه وصدقاته دائماً بالرفق والعدل من غير اكتراث بالمقدار الذي يستحصلونه بعد ذلك. وقد قال أحد العمال لعلي بن أبي طالب عندما أوصاه بالرفق: يا أمير المؤمنين، إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك (يعني من غير جباية)؛ فأجابه علي: وإن رجعت كما ذهبت. . . ويحك! إنَّا أمرنا أن نأخذ منهم العفو (يعني الفضل)
وقاعدة الوضوح هذه تكون واجبة أشد الوجوب عندما تجبى الضريبة بطريق الالتزام، لأن الملتزم الذي يتقبل جباية الضريبة على مقدار معين من المال، يرغب دائماً في أن يستفيد من غموض الضريبة، أو جهل الناس بها، وهو قد يتوخى تعمية الأمر ليتسع له مجال ابتزاز المال منهم تحت ستار من القانون!
وفي الحقيقة أن الحكومة مهما حاولت توضيح الضريبة للناس، فلا بد أن يبقى ثمة كثير من البلهاء الجاهلين
وهذه السيئة هي التي جعلت الحكومات الحديثة تتجنب - جهد الإمكان - منح الجباية إلى الملتزمين
هذا، والالتزام - فضلاً عن ذلك - مخالف لقاعدة الاقتصاد في الضريبة:
فلقد قلنا فيما مضى: إن الفرق بين ما يخرج من جيوب الدافعين، وما يدخل إلى خزينة الدولة، يجب أن يكون أقل ما يمكن، لكي يتوفر في الضريبة عنصر الاقتصاد
وفي جباية الضريبة عن طريق الالتزام، يحاول الملتزم أن يجبي لنفسه أكبر مقدار ممكن، لكي يوفر لجيبه الفرق العظيم بين ما يؤدى للحكومة وما يجبى من الناس، ونجده لذلك يعذب الناس باسم الحكومة ويرهقهم إرهاقاً