هناك القتل وطال عليه الأمد. وما ذلك الرقيب إلا الضمير
فالرغبة الجامحة تصدم بقوة الضمير، فيضغط عليها حتى تنحدر إلى قاع النفس وتستقر فيه، غير قانطة من بلوغ منطقة الوعي من العقل وفرض نفسها عليه، وتحريك الجوارح به وفق ما تريد.
وما دامت الرغائب محجوراً عليها في قرارة النفس، فأنها تبقى في نزاع لا يهدأ، تستنفذ فيه ما هي بحاجة أليه مما نملك من طاقة. ونحن إن لم نشعر بجلبة هذا الصراع في داخل النفس فأن تأثرنا به ولا ريب كبير. وقد تبلغ شدة التنازع بين الرغائب إلى حد تبتلع فيه كل نشاطنا، حتى نظهر وكأنا لا نملك شيئاً من قوة الاندفاع إلى العمل وتجللنا مظاهر التردد والخمول.
إن الرغبة المقموعة تريد حرية التصرف فيأبى عليها العرف الاجتماعي إلا أن تقهر، حتى إذا كثرت الرغائب المقهورة واستطال عليها الزمن بلغ التنازع فيما بينها ذروته وأصبحنا ونحن من أنفسنا في ساحة حرب تضيع فيها الجهود سدى. ذلك لأن من طبيعة الرغبة أن تملك حرية الاستمتاع بالإرادة، فإذا هي قهرت وانحدرت إلى ما وراء الشعور، اتخذت لنفسها هناك موقفاً عدائياً لكل رغبة فيه، تليدة أو جديدة؛ حتى إذا ازدادت الرغائب وتمادت على ما هي فيه من تكالب على الظهور، نشأ عندنا ما يعبر عنه بالقلق الداخلي أو النفسي، ونحن في مثل هذه الحالة لا نشعر إلا بذلك الشعور الغامض العميق الذي تسودنا فيه بلبلة الفكر فلا نعرف ما ينبغي أن يدرك أو يترك. وبهذه الحرب الدائرة بين مختلف الرغائب نستهلك الكثير مما نملك من طاقة عصبية وذهنية، فيبدو احتياجنا إلى مثل هذه الطاقة في أعمال وعينا الأخرى، ونظهر وكأنا عاجزين.
إن مجهودنا العصبي محدود بقدر، فإذا نحن لم نحسن التصرف فيه ونضعه في موضعه الذي يجدي ظهر عجزنا عما خلقنا قادرين عليه. وما استنفاد هذا المجهود في صراع الرغائب إلا كذلك الجيش الذي اقتتل أفراده قبل منازلة العدو فأبيد بأيديه، والفارق هنا أن قتال الرغائب لا يزال ولا يفتر وإنما تزيده الأيام حدة وشدة، ويختلف مصير المصاب به باختلاف قوة احتماله لهذا العبء الثقيل.
والرغبة لا تقل مهما استطال زمن جهادها وجلادها في سبيل استعلائها على أخواتها من