للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرغائب، ولا يدركها الفناء مهما امتد بها عهد المكوث في باطن النفس، حيث لا يصل وعي ولا شعور، وإنما تبقى في القاع تفعل فيما فيه وتنفعل به، حتى تنفجر من النفس فتثور وتظهر بأعراض قد تصل إلى حد الجنون، أو تحتال على الوعي، بالرمز تارة وبالمظهر مرة أخرى، وتخدعه عن نفسه وتظهر فيه

كل أولئك يفصح لنا عن مدى صراعنا، ويبعث فينا الرغبة في الوقوف على تطورات هذا الصراع وما يستخدم فيه من معدات النزال والقتال، ويود كل امرئ لو يعجل ببدء المعركة الفاصلة، وانتصار التفريج فيها على القمع والإرهاب

ونشير إلى أن لنا من صراع الرغائب في عقلنا الواعي مثالاً متناهياً في الصغر قد يفصح - ولو من طرف خفي - عن هول المعارك التي تدور في منطقة العقل غير الواعي، وتلقي خافت النور على ما لها من مركز ثقل فيما ندرك وما نترك. وفي الواقع أن الرغائب المتناقضة لا يندر وجودها في ساحة العقل الشاعر، فقد تتنازعنا الرغبة في الراحة وفي الاستمرار على المطالعة، ونقف لحظة قد تطول وقد تقصر بين هاتين الرغبتين حتى تتغلب الواحدة على الأخرى فنجيب تلك دون هذه؛ غير أن الشأن في صراع العقل الباطن يصل إلى مدى يضيق عن تصوره خيال الشاعر العبقري؛ ونحن بعد ذلك لا ندري من أمره شيئاً إلا من أوتي حظاً غير قليل من علم النفس الحديث

حسين الظريفي

<<  <  ج:
ص:  >  >>