الأمور نظرة صادقة فإننا نجد أن معجم اللغة إنما هو الكتاب الذي لا يفوقه كتاب، فإنه يشتمل على التصانيف بأجمعها، فما عليك إلا أن تستدرجها منه. . . وإني لأشعر في قلبي بحنوّ عظيم إزاء كل كلمات اللغة. إني اشعر برأفة كبيرة أمام طائفة التعابير البسيطة والفخمة. إني أحبها كلها، فهي تستميلني وتستفزني، وإني لأمس الكتاب الذي يضمها مساً شديداً ينم على مبلغ تأثري وارتياحي)
غير أن هذه الوسيلة التي يستعملها الناس في خطابهم، ويستعين بها الأدباء في أداء رسالتهم، قد أصبحت غاية في حد ذاتها للعلماء الذين انقطعوا إلى دراستها، ووقفوا حياتهم على استجلاء غوامضها.
فلا عجب أن نهج لغوينا العربي نهج من سبقه من علماء اللغة الأعلام، من أبي منصور الأزهري صاحب التهذيب، وأبي نصر الجوهري صاحب الصحاح، ومجد الدين الفيروزابادي صاحب القاموس، إلى البستاني، والشدياق، والشرتوني، وسواهم من المحدثين، وأن ترسم خطى من سلف من أئمة التدقيق والتحقيق من أمثال جونسن ووبستر، وأميل لِتْره، فاتخذ من اللغة غاية ما بعدها غاية، يكب على نقد مفرداتها نقد الصيرفي
وما أشبه لغوينا من بعض الوجوه بزميله الإنجليزي ضموئيل جونسن الذي سبقه بنيف وخمسين ومائة سنة! فغيرة الأب على اللغة العربية تشبه غيرة جونسن على لغته الإنجليزية، وأسلوب الأب المتين اللاذع يعدل أسلوب جونسن (وأن يكن هذا الإنجليزي الصميم لم يرض قط أن ينزل إلى ميدان المساجلات والمناظرات بالرغم عن الحملات التي كثيراً ما حملت عليه.) ومجلس الأب شبيه بالمنتدى الأدبي الذي أنشأه الدكتور جونسن وصحبه وحضره مؤرخه بُوزْوِل، فسجل مباحثاته ومداولاته.
ومقام لغوينا العراقي بين أقطاب العربية معروف مرموق، وجهاده في سبيل الفصحى مرئي مسموع، ورأيه في التمسك بأهدابها مقبول متبوع. ولنا عليه أن يكلل مساعيه الموفقة في خدمة اللغة الشريفة بإخراج معجمه الكبير الذي وسمه (بالمساعد)، فيتفرغ لإنجازه وتنقيحه وتبيضه، فهو عصارة سعيه وخلاصة جهده.