لم يكن الأستاذ عبده حسن الزيات ينتظر أن أكتب كلمة عن كتابه الجديد (سعد زغلول من أقضيته)، لأنه يعرف أني فرطت في التنويه بمؤلفاته وأبحاثه التي ظهرت من قبل، وإن كان يعرف مع ذلك أن ثقتي بفضله وكفايته لا تحتاج إلى دليل
الكتاب يُعرَف من عنوانه، كما يقال، وعنوان هذا الكتاب غاية في الدقة والتحديد؛ ومن غريب ما وقع لهذا العنوان أن الخطاط الذي كتبه - وهو حسني - قد استطاع أن يبرزه في أبهى حلة من حلل الجمال، مع أنه يقع في أربع كلمات يصعب الربط بينهما برباط الانسجام والاتساق؛ وما اذكر أني رأيت الكتاب معروضاً في أية مكتبة، إلا وقفت أمتع ذوقي بخط العنوان. فإلى (حسني) الخطاط تحية خالصة لا يشوبها غير الحرص على إعزاز الفن الجميل
ثم أتحدث عن الكتاب بإيجاز، فأذكر أنه من أقوى الشواهد على حصافة المؤلف، وعلى مبلغ فهمه للدراسات الجدية، وعلى أنه جدير بثقة الذين كرَّموه عند ظهور هذا الكتاب النفيس
وأذكر أيضاً أنني ما تحدثت عن الأستاذ عبده حسن الزيات إلا وصفته بصدق الوطنية، فهو عندي من الشبان النوادر الذين يفهمون الوطنية على وجهها السليم، وقد جاء كتابه تأييداً لهذا الوصف: فهو خدمة صادقة لمصر، ممثلة في إبراز جوانب من الفقه والعدل عند أفراد من رجال القضاء، على رأسهم (سعد)، وهذه الخدمة تؤكد ما أشرنا إليه غير مرة من أن رجال القانون في مصر جعلوا لمصر المقام الأول بين الأمم الإسلامية في شرح القوانين باللغة العربية؛ ولو أن الأقدار كانت بخلت بأن يظفر (سعد زغلول) بذلك المجد الضخم، المجد الوطني والسياسي، ثم جاء كتاب الزيات يحدد نفسيته وعقليته من أقضيته، لكان كافياً في جعل (سعد) من أعاظم الرجال
هذا الكتاب جيد جداً، فليس من الإسراف أن نرجو عميد كلية الحقوق أن يؤلف لجنة تنظر فيه، تمهيداً لمنح المؤلف درجة جامعية، وإغراءٍ لأمثاله من الشبان بالتعمق والاستقصاء
وإذا كانت (ذكرى سعد) هي التي حدت المؤلف في بعض السنين الماضية على التفكير في