ناحية من أنحاء السلطنة العثمانية بعضهم منفي، وبعضهم سجين، وبعضهم مقتول، وأرسل آخرون إلى ميدان الصراع العالمي وجند آخرون في الجيش، وفر غيرهم. أضف إلى هذا أن الصلة كانت مقطوعة بين الشام وبين العراق والحجاز من أقطار العرب فضلاً عن العالم الخارجي لصعوبة السفر والانتقال في تلك الأيام العصيبة السوداء، ولوجود مراقبة شديدة على المراسلات. والحقيقة أنه لم يبق خارج القفص في تلك الأيام سوى عدد ضئيل جداً كان يقيم في دمشق على حذر ووجل يترقب القبض عليه من ساعة إلى ساعة، ويودع أهله وأسرته عند خروجه من المنزل في الصباح لأنه قد لا يعود إليهم في الظهيرة، وكذلك يودعهم في الأصيل لأنه ما كان واثقاً من الرجوع إليهم في الغسق. فهذه الفئة القليلة كان بقاؤها في الفيحاء بفضل عوامل محلية خاصة؛ فبعضها أقام بضمانة الوالي خليص بك والي الشام كالمرحوم الدكتور شهبندر، وبعضها أقام في جلق لأن الوحدة العسكرية المنسوب إليها كانت تقيم فيها كالدكتور احمد قدري، ويسن الهاشمي وغيرهما، نقول أن هذه الفئة هي التي اتصلت بالأمير فيصل عند مروره من دمشق في غدوه إلى الآستانة ورواحه منها. وهي التي أطلعته على ما يقاسيه العرب من الترك، فنقل شكايتها إلى رجال الدولة، وعمل على تعديل هذه السياسة في دمشق فلم يوفق. وهي التي نفخت فيه روح الثورة، وكان معروفاً في إعلان الحرب العظمى بمصافاة الترك قائلاً بعدم الخروج عليهم مهما كانت الظروف. وهي التي أقنعته بوجوب العمل لإنقاذ العرب من خطر محقق؛ فضم جهوده إلى جهود أخيه الأمير عبد الله، وكان متصلاً بالبريطانيين فتقررت الثورة ووضعت أسسها. ومما لا ريب فيه أنه كان للعامل المحلي والشخصي يد لا تنكر في إعدادها وتكوينها
(ج) وتبدأ الحلقة الثالثة بمؤتمر الطائف في خريف سنة ١٩١٥ وقد قرر إعلان الثورة العربية، وإعداد معداتها في الداخل، والاتصال برجال بريطانيا العظمى في الخارج. وقد سارت الأمور على أفضل ما يرام، فأقام الأمير علي في المدينة يستميل القبائل الضاربة في تلك البطاح، وأخذ عليها العهود والمواثيق، كما انصرف الأمير عبد الله من ناحية إلى جمع كلمة قبائل العرب في الطائف وإعدادها لليوم العصيب
أما الأمير فيصل، فكان يقيم في دمشق يفتل خيوط الرأي ليجد مخرجاً يخرجه من معتقله،