وينقسم العمل السياسي في خلال هذا الدور إلى ثلاث حلقات:
(ا) فالحلقة الأولى تبدأ من إعلان الحرب العظمى أي من شهر أغسطس عام ١٩١٤ حتى شهر أغسطس ١٩١٥ وقد انضم العرب في خلال هذه الفترة إلى الدولة قلباً وقالباً وأيدوها رغم ما كان بينهم وبين الاتحاديين، ورغم ظهور دلائل تدل على سوء نية هؤلاء وترقبهم دوائر السوء بالعرب لأنهم أدركوا أن الاحتلال التركي أهون من الاحتلال الأجنبي مهما كان الحال وأقل شراً، ولأنهم اعتقدوا أنهم لا يعدمون وسيلة للتفاهم مع أوليائها حينما تضع الحرب أوزارها، وتنقشع غمامتها. وأطمع هذا العطف الاتحاديين كما غرهم ما كانوا ينعمون به من قوة ومن سلطان عظيم لم ينالوا مثله في غابر أيامهم فقالوا إنها فرصة ثمينة لا يجود الدهر بمثلها، فأقدموا على تصفية حساب الحركة العربية، ونصبوا الميزان في عاليه كما نصبوه من قبل في أشقودرة يوم أرسلوا شوكت طورغود إلى ألبانيا في سنة ١٩١١ للقضاء على الحركة الألبانية القومية فعجلت أعمالهم تلك في إخراجهم من ألبانيا وطردهم من البلقان، كما عجلت حركة عالية على إخراجهم من بلاد العرب وطردهم منها.
ولا يسع المؤرخ النزيه إلا التنويه بإخلاص العرب للدولة في هذه الفترة، وإذا اضطروا إلى الاتصال بأعدائها بعد ذلك وتعاونوا معهم على هدمها أو القضاء عليها، فالذنب ذنب الترك أنفسهم قبل أن يكون ذنب العرب والتبعة لاحقة بهم وحدهم، فلو جزوا العرب على إخلاصهم بإخلاص، وصافحوا اليد الممتدة إليهم، وتغاضوا عن كل حادث في الماضي وهو ما جرى العرف أن يحدث في الشدائد، وأي شدة أعظم من تلك الحرب، لما وقع ما وقع ولما كان ما كان
(ب) وتبدأ الحلقة الثانية بعد إعدام الرعيل الأول من شهداء العرب ومجاهديهم الأبطال، فقد كشر (جمال) السفاح عن أنيابه وتنكر للعرب، ولبس ثوب الأسد بعد ما نزع ثوبه الجميل، وأخذ ينادي بأنه لا بد من عقاب الخونة، والخونة في عرفه واصطلاحه هم أحرار العرب، والناهضون المجاهدون من رجالهم، مع أنه دعا هؤلاء في الخطبة التي خطبها في النادي الشرقي شهر يناير عام ١٩١٥ إلى إحياء شهامة العرب، وإعادة مجد العرب. ولا بد لنا من الاعتراف بأن العرب فوجئوا بأعمال جمال السفاح مفاجأة، فتشتت رجال الجمعيات في كل