القومية؛ فأرسلوا إلى ميادين القتال في شتى الجهات، وهلك معظمهم. وينتهي هذا الدور بإعلان الثورة العربية الكبرى رسمياً يوم ١٠يونيو سنة ١٩١٦
على أن أقطاب الاتحاديين قرروا في شهر يناير عام ١٩١٤، أي قبل وصول جمال باشا إلى سورية بسنة تقريباً اتخاذ تدابير متعددة للقضاء على الحركة العربية، وتتريك العرب، إلا أن تأثير هذه التدابير ظل محدوداً، لأنها سلبية في طبيعتها لا تتعدى المقاومة الخفية. ولقد تحول الحال حينما أعلنت الحرب العظمى عام ١٩١٤، وبسطت الأحكام العسكرية، ونصبت المحاكم العرفية وأوقف البرلمان، ووضعت المراقبة، وعطلت الصحافة، وانطلقت أيدي الاتحاديين في البلاد العربية يفعلون ما يشاءون، لا رقيب ولا حسيب. ويلوح لنا أن اختيار جمال باشا لمنصب القائد العام في بلاد العرب - وهو المعروف بشدة الشكيمة، والميل إلى سفك الدماء - وتحويله إلى سلطة لا حد لها، ليس من قبيل الصدف، بل هو نتيجة خطة أحكم الترك تدبيرها، وأرادوا من ورائها الفتك برجال العرب ومفكريهم وشبابهم الذين أشربوا الروح القومية أملاً بأن يخرجوا منصورين من الحرب الكبرى، وكانت الدلائل تدل في سنيها الأولى على أن النصر سيكون في جانبهم، فينفذون سياسة التتريك، ويقضون على كل نغمة عنصرية، وينشئون إمبراطورية طورانية تحيي مجد جنكيز خان وتيمورلنك، وبقية عهد الذئب الأغبر
لا تلحق تبعة ما جرى في ذلك العهد الدموي جمالاً وحده، بل تشمل أقطاب الاتحاديين الذين كانوا مسيطرين على البلاد العثمانية وفي مقدمتهم أنور باشا وزير الحربية ووكيل القائد العام والدكتاتور الحقيقي؛ فقد كان مصدر كل سلطة في الدولة. وقد استمد نفوذه من سيطرته على الجيش، ولو أراد لوضع حداً لتلك الأعمال، ولكنه تغاضى عنها ومنح جمالاً كل ما طلبه من سلطة، ووضع تحت تصرفه كل ما أراد من قوى. على أن سير الحوادث، وقد جرت على غير ما يشتهونه جعل أنور يعدل عن تلك السياسة فيضيق اختصاص صاحبه ويسلبه ما كان منحه إياه، يؤيد ذلك ما جرى حين النظر في قضية خان الباشا بالشام والحكم على أحرار العرب، فهو لم يجسر على إعداد الذين ألح بإصدار الحكم بإعدامهم بل أرسل الإعلام إلى ديوان التمييز العسكري لفحصه عملاً بالأوامر الجديدة، وقد سلبت منه اختصاصاته فعاد منقوضاً يقول إنه لا وجه لإقامة الدعوى على أحد لأن الجرم