فاجتمعا فلقيهم هنالك أبو مريم جاثليق مصر ومعه الأسقف في أهل النيات بعثه المقوقس لمنع بلادهم. فلما نزل بهم عمرو قاتلوه فأرسل إليهم: لا تعجلونا لنعذر إليكم وترون رأيكم بعد؛ فكفوا أصحابهم وأرسل إليهم عمرو أتى بارز فليبرز إلى أبو مريم وأبو مريام؛ فأجابوه إلى ذلك وآمن بعضهم بعضاً. فقال لهما عمرو: أنتما رهبا هذه البلدة فاسمعا. . .) ويذكر بقية الحديث بما يوافق ما ذكره ابن كثير تماماً
فواضح من هذا أن الطبري متفق مع المؤرخين الثلاثة في طرفي المفاوضة، ولكنه يختلف عنهما في مكان المفاوضة، فيقول أنها كانت عند باب اليون ويقولون أنها كانت عند مصر.
نترك الآن المؤرخين العرب وننتقل إلى كتاب حنا النقيوسي المؤرخ القبطي المشهور فلا نجد فيه ذكراً لهذه المفاوضة
ويقول الأستاذ بتلر في كتابه (فتح العرب لمصر)(ص١٩٠ من الترجمة العربية) بصدد هذه المفاوضة: (والظاهر أن قصة بعث المقوقس باثنين من الأساقفة وهما أبو مريام أو (أبو مرتام) وأبو مريم لمفاوضة العرب لم تكن سوى قصة بعث بها الوهم. فلم يكن بين الأساقفة أحد بتلك الأسماء، ولعل تلك القصة لم تنشأ إلا من الخطأ العظيم الذي وقع فيه مؤرخو العرب عندما قرءوا أخبار هذه الحوادث، وقد اختلط فيها حوادث التاريخ بالخرافات اختلاطاً فاحشاً، ومسخها الناسخون عند نقلهم منها منذ لم يتحروا فيها الدقة. ولكننا مع ذلك نستطيع أن نقول إنه قد جاءت جماعة عليها أحد الأساقفة وإنهم فاوضوا عمراً في ذلك الوقت)
والأستاذ بتلر يقول هذا القول أثناء حديثه عن سير العرب الفاتحين إلى بلبيس، مما يفهم أنه يرى أن هذه المفاوضة كانت في بلبيس لا في مصر كما يقول ابن كثير وابن الأثير وابن خلدون. ثم هو يرى بعد ذلك أنها لم تكن بين عمرو من جانب وأبي مريم ومعه أبو مريام من جانب آخر؛ بل كانت بين عمرو وجماعة عليها أحد الأساقفة
ونحن لا نملك رفض ما يقوله الأستاذ بتلر؛ فنحن لا نملك رفض قوله بحصول المفاوضة في بلبيس، لأن اتفاق ابن كثير وابن الأثير وابن خلدون على أنها حصلت عند مصر وتفرد الطبري بأنها حصلت عند حصن بابليون مما لا يمكن التعويل عليه لما عرفناه ولمسناه من خلط مؤرخي العرب في كلامهم عن حوادث الفتح. أضف إلى ذلك أن جعل