المفاوضة عند بلبيس أكثر ملاءمة لسير حوادث الفتح من جعلها عند مصر. والقارئ لحوادث الفتح يدرك هذا تمام الإدراك. ونحن بالطبع ليس لنا أن نطالب الأستاذ بتلر بالمصدر الذي اعتمد عليه في القول بأن المفاوضة حصلت في بلبيس، وذلك لأنه لم يعتمد في ذلك على مصدر ما وإنما قال به توفيقاً منه بين حوادث الفتح العربي التي تعرضت لشيء كثير من الخلط والتشويه في معظم المصادر العربية وغير العربية
هذا من ناحية مكان المفاوضة، وأما من ناحية طرفيها فنحن لا نستطيع رفض قوله في ذلك أيضاً، لأننا لا نملك على ذلك الرفض قدرة علمية، ولا سيما أنه عاد في الملحق الثالث من ملاحق كتابه فأكد قوله وقواه. قال (ص٤٥٠ - ٤٥٢): ((٢) أبو مريم. وصف الأستاذ (لين بول) هذا الشخص بأنه جاثليق مصر، وأنه انضم إلى جيش عمرو. ولفظ جاثليق لا معنى له إلا (بطريق)، وأول من ذكره من مراجعنا الطبري، فقد جعلته معلوماته الفارسية يذكر ذلك اللفظ على أنه اسم كبير أساقفة مذاهب النسطوريين والأرمن. ويكثر ذكره في كتب سيبيوس وسواه، ويعرفه المعرفة. والحقيقة أن الطبري نفسه يفسر ذلك اللفظ بأنه كبير أساقفة النصارى، ولكنه يقول بعد ذلك عبارة محيرة وهي أن اسمه كان (أبن مريم). ويمكننا أن نسلم بأنه قد كان في مصر رئيسان للأساقفة أو بطريقان في وقت الفتح وهما قيرس وبنيامين؛ ونزيد على ذلك أنه قد يجوز أن بطريقاً ثالثاً كان موجوداً عند ذلك وهو بطريق مجهول (للجايانيين)، ولكن ذلك غير مهم فيما نحن فيه. وابن مريم لا يمكن أن يكون هو (فيرس)؛ ولكنه قد يمكن أن يكون المقصود به (بنيامين). ونرجو أن نستطيع البرهان على أن ذلك هو المقصود؛ فإنه في مدة ابن الأثير كان الاسم قد حرف إلى (أبو ميامين)، في حين أن أبا المحاسن يذكر - وهذا طبعاً صحيح - أن الأسقف القبطي في الإسكندرية كان اسمه بنيامين. ويذكر السيوطي أن الأسقف القبطي هو (أبو ميامين) وليس على المرء إلا أن يقرن هذه الحقائق بعضها إلى بعض فيرى لأول نظرة أن من أسهل الأمور تحريف اسم (أبا بنيامين) إلى (أبو ميامين) ثم إلى (أبو مريم)، في حين أن (ابن مريم) يجوز أن يكون تحريفاً للاسم بنيامين؛ فإن كتاب العرب كانوا يعرفون أن اسم مريم اسم يجله النصارى إجلالاً عظيماً، فأخطئوا في لفظ (أبا) فظنوا أنه اللفظ العربي (أبو)، في حين أنه نزع من الجزء الأول من (بنيامين) وهو (بن) وخلط باللفظ العربي (ابن) ونشأ