من ذلك الخلط أسماء عجيبة زادها تحريف النساخ خطأ فذهبوا إلى تسمية الأسقف باسم (أبو مريم) و (ابن مريم).
ونستطيع الآن أن نستبعد اسم (أبو مريم) ونحن واثقون من أن ذلك الاسم لم يكن، وكذلك أسماء (أبو مرتم) و (ابن مريم) و (وأبو ميامين)؛ وأن نجعل مكان هذه الصور الغريبة اسم (بنيامين) الذي كان كبير أساقفة القبط في الإسكندرية. غير أنه لا يكفي أن نستبعد هذه الخيالات فإنا إذا سلمنا أن الشخص التاريخي المقصود هو بنيامين فإنه من المحال أن نقبل ما قيل عنه من أنه اشترك مع عمرو أي اشتراك فيما ذكر عنه، فلم يحاربه ولم يفاوضه. وأما ما ذكره الطبري ومن اتبعه كابن الأثير عن بنيامين فإنه قول سخيف. فقد جعلوه قائداً حربياً تحت حكم المقوقس. وقد سعى الطبري إلى جعل حبره مقبولاً لا تناقض فيه فجعل المقوقس أميراً للقبط؛ ولكن كل الأدلة المستمدة من المؤرخين المصريين تدل على أن هذين الرأيين غير صحيحين (وكان الطبري غريباً عن مصر، ولكنه زارها).
فالمؤرخون المصريون مجمعون على أن بنيامين بقي مختفياً في الصعيد مدة عشر سنوات قبل الفتح العربي، وثلاث سنوات في مدة الفتح. ولو لم يكن لدينا غير ما كتبه ساويرس (حياة بنيامين) لكان ذلك كافياً للبت في هذا الأمر. غير أن كل المؤرخين من حنا النقيوسي إلى ما بعده متفقون في هذا الرأي. فكيف إذن نستطيع أن ندرك علة ما يعزوه مؤرخو العرب إلى بنيامين من الاشتراك في الأمور عند الفتح؟ والتعليل هو ما يلي: أنهم وجدوا في الأخبار القديمة أو الروايات السابقة أن زعيم المدافعين والرئيس الذي فاوض في شروط الصلح مع الفاتحين هو كبير أساقفة الإسكندرية، ووجدوا بعد الفتح وفي التاريخ القبطي أن كبير الأساقفة في الإسكندرية المعترف به هو بنيامين؛ وفوق ذلك لقد كان بنيامين هو الذي جاء إلى عمرو وصالحه في وقت الفتح الثاني للإسكندرية عند ثورة منويل؛ فاختلط هذا الخبر بالصلح الذي كان مع قيرس؛ وعلى ذلك اختلط الشخصان وعزي إلى بنيامين ما فعله قيرس عند الفتح)
فبقي علينا إذن أن نأخذ برأي الأستاذ بتلر في هذه المفاوضة