(روجر باكون) في عداد الذين تأثروا تأثراً عميقاً بالثقافة العربية، وكذلك الشاعران (شوصر) و (ليد كيت). ومن المهم ذكره في هذا المجال أن أول كتاب طبع في إنجلترا وهو كتاب (آمالي وأقوال الفلاسفة)(سنة ١٤٧٧) وقد وضع على أساس كتاب عربي هو كتاب: (مختار الحكم ومحاسن الكلم) الذي صنَّفه في سنة ١٠٥٣ الأمير المصري (مبشر بن فاتك)، ولم يطبع النص العربي، ولكن هناك نسخة خطية منه لا تزال موجودة في هولاندة، وهو مجموعة أمثال وأقوال حكيمة، وكان كثير الشيوع مدة من الزمن في الشرق وقد ترجم إلى لغات أوربية
إن الدَّين الذي تدين به أوربا في العصور الوسطى لمعاصريها من العرب ومترجميهم لهو دَين مضاعف، ففي الدرجة الأولى كان العرب هم الذين نشروا القسم الأكبر من ميراث الفكر والعلم الإغريقي الذي كان الغرب قد أضاعه، واحتفظ به العرب وأذاعوه؛ وفي الدرجة الثانية أن أوربا قد تعلمت من العرب طريقة جديدة في الدراسة، تلك الطريقة التي وضعت العقل فوق السلطة، ودافعت عن البحث العلمي الحر، وقد كان هذان الدرسان هما اللذين لعبا أكبر دور في إعطاء نهاية للعصور الوسطى، وبعث النهضة (الرينسانس) وولادة أوربا الجديدة، كما أن العلماء الإنجليز ساهموا بدور كبير في نقل هذه الدروس. وإن من مآسي التاريخ الآن أن العرب ينسون في هذا الوقت الأشياء التي علموها هم لأوربا، وأن يقوموا بدراستها مرة أخرى بعد مضي عدة عصور
ونود أن نختم هذا الفصل بالرجوع إلى أقوال (إديلارد) نفسه في حديثه مع قريبه عن الطريقة التي تعلمها في أسبانيا؛ ورأيه هذا قد سجل منذ ثمانمائة سنة:
(إنني، والعقل دليلي، قد تعلمت أمراً واحداً من أساتذتي العرب. أما أنت فعلى خلاف ذلك قد تلجمت بلجام من المظهر الخارجي للسلطة - وبماذا نصف السلطة إلا بأنها لجام؟ - على شاكلة الحيوانات المتوحشة، فإنها تساق إلى حيث يشاء المرء بدون أن نرى لماذا وإلى أين تساق، بل تتبع المِقْود الذي توقف به، وكذلك الكثير منكم قد رُبطوا بقيود وسلاسل من التسليم المنحط، وسيقوا إلى الخطر بسطوة الكتاب. . . لقد منح العقل للأفراد لكي يكون هو الحكم الرئيس للتفريق بين الحق والباطل. . . فيجب أن نسعى بداءة ذي بدء إلى البحث عن العقل، فمتى وجد قبلت حينئذ السلطة إذا أريد إضافتها إليه، فإن السلطة