للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحقيقي يعتنق رسالة أو فكرة يجمعها من مزاجه الخاص يحاول أن يبثها ويبشر بها

كانت هذه القصيدة بيدي فتناولها صديق لي أديب فما لبث أن أبدى نفوره منها واستنكاره لهذا الضرب من الشعر لأنه خالٍ - بحسب اعتقاده - من الغاية والغرض؛ وما كنت بلوَّام لمثل هذا الصديق على اعتقاده، لأن المدرسة الشعرية العتيقة لا تزال على اعتقادها في أن الشعر خاضع للغاية ينزع إلى الحكمة أو إلى القومية، أو. . . أما هذه القصيدة فما نزعتها؟ وما غايتها؟ إننا نحب أن نعتق شعرنا من هذه التقاليد، ونرفعه من هذه الأغراض الدانية، لنتوجه به شطر الفن الخالص. إذ أن الشعر العالي لا يتجلى في هذه العواطف الصافرة التي تؤز فوق الرؤوس، ولا في هذه الأصباغ الكثيفة غير المتناسقة؛ وإنما الشعر هذه اللمحات الفنية الهادئة والرعشات الوديعة التي تذكرك برعشة الطبيعة حين يقظتها. ومن عجب الدهر أننا نتخطى تعاليم المدرسة القديمة، ونلمس نقائصها، وننفي أكثر شعرها، ثم نرى من لا يزال يتحمس لها، ويناضل من أجلها الآن نستطيع القول - إزاء هذه المقطوعة - أننا إزاء قصيدة شعرية بلغت من السمو والفن والدقة ما لم تعرفه قصيدة عربية من قبل. ولكي يستطيع الشاعر أن يبث لمحادثة الفنية لم يجد إلا جوَّاً يونانياً. والعلة في ذلك أن الجو العربي نفسه محدود الشاعرية، محصور الخيال، ليس فيه هذه الوثبات التي توحي للشاعر المطلق أن يحلق في جو مطلق، فليس في هذا الالتجاء نفسه ما يعيب الشاعر أو القصيدة، لأن الجو اليوناني - في اعتقادي - برئ من كل غرض، يملكه الفن وحده ولا يجد الأدباء الغربيون حرجاً في الرجوع إلى هذه المملكة الغنية بشوارد الفن، على رسوخهم وغناهم. ولأدبائنا الحق في تفهم الأدب اليوناني والفن اليوناني. بعد أن درس العقل العربي العقل اليوناني، كانت بينهما صلات متينة، وجولات مشبعة بروح الصداقة. والفن اليوناني - على اعتقادي - أشد ضرورة للعرب من الفلسفة اليونانية

أشخاص هذه القطعة أشخاص يونانيون لهم محلهم في الفن اليوناني والجمال اليوناني. وقد أحسن المؤلف صنعاً في الإعلان عن كل شخص في مقدمته. ومن هؤلاء (سافو) الشاعرة الإغريقية، وتاييس الراقصة الأثينية، وبلتيس صاحبة الشاعر الإفرنسي (بيرلويس). أما الحديث فيدور حول روح شاعر يبعث بعثاً جديداً يزف إلى الأرض كالشبح العابر. أو الوهم مثله الخاطر. تعرفه إحدى الحوريات أو الأرواح - تاييس - وتقوله لسافو إنه (فتى

<<  <  ج:
ص:  >  >>