وهي السحب التي تبشر وتنذر: تبشر بالمطر وتنذر بالصواعق، وكانت وما يبالي بها أحد صبيحة يومه المشهود، لأنهم كانوا يرجون ما هو أرجى من المطر، ويرهبون ما هو أرهب من الصواعق، ويستقبلون مشرقاً يعرفون ما يستقبلهم من مغربه إذا انتصروا، وما يستقبلهم منه إذا انهزموا: مجد أو موت، والفاصل بينهم وبين واحد منها بضع ساعات
وكم تصنع بضع ساعات في تواريخ الأمم؟
هناك التلال المتجهمات للشمس، أعلاها لا يعلو فوق مائة متر في الفضاء
وهناك الحجارة والحصباء، أحدث أخبارها التي تتحدث بها إليك غضبة بركان قديم!
وهناك الأخدود الذي كانوا يتوارون فيه من المستطلعين فيواريهم ويخفي آثارهم، لأن مطية الهواء لم تكن في ذلك العهد مما يكشف ذلك الخلاء، ولا أي خلاء
وهناك السكون ثم السكون ثم السكون. سكون اليوم، وسكون أمس، وسكون عام مضى، وسكون أعوام، ما عدا ذلك اليوم في ذلك العام
ولو أنك سألت (كرري) ماذا صنعت يا كرري؟ أو ماذا صُنع فيك؟ فيم تراه يجيب؟
أكبر الظن أنه يستعيدك السؤال مرات! ماذا صنعت؟ ماذا صنعت؟ لا أدري!
- لا بل صنعت كثيراً (يا كرري). . . أفلا تذكر؟ ألم يبق في ذكراك غير هذا السكون؟ ثم هذا السكون، ثم هذا السكون؟
- غضبة بركان قديم لم يغضب منذ آلاف السنين؟ أتسألني عن هذا وتلك آثاره تنبئك بغير سؤال؟
- لا. بل غضبة بركان أقرب من ذاك جداً إلى ذاكرة من يذكر، ولا أثر له فيك يغني عن سؤال! ألا تعرفه؟ ألا تعرف تلك الحمم؟ ألا تعرف تلك النيران؟
- تلك براكينكم يا صاح تسألون عنها أنفسكم وتصلون منها بحممكم ونيرانكم، وتحتفظون بآثارها وآثاركم، وتسمونها الأسماء، وإن هي إلا هواء يعبر بي كهذا الهواء
وكرري لا يقول غير هذا لسائله، إذا قال
لكن (كرري) جماد مسكين لا يعلم إلا ما يعلمه الجماد المسكين، ولم يدخل قط في علم الجماد المسكين أن براكينه صرخة في فضاء ما لم يتصل بهذا المخلوق الضئيل الذي هو نحن الآدميين! وأين غضبة ذلك البركان الذي تنبئنا به حجارة كرري من براكين هذه