وأما النظام فيخطئ من يحسبه لغواً في جيش الدراويش لأنهم كانوا على نظام في الحركة لا يخرج من زمام القيادة، وإن كانت القيادة نفسها مضللة الزمام
وأما الحيلة فهي ليست في ذلك الجيش بالقليلة، بل لعلها كانت وشيكة أن تفلح في يومها، لو لم يتأخر الموعد ببعض القادة عن الهجوم في حين الحاجة إليه
إنما كانت الغلبة لزمن على زمن، ولغد على أمس، وكل معركة فيها الغد والأمس قرنان متصاولان فالغد صاحب الغلبة فيها لا مراء
وكنت أقرأ عن حروب عمر بن الخطاب وأنا أطوف بين بيت الخليفة وكرري وأذكر هذا الصراع إلى جانب ذلك الصراع
أكان القدر هو الذي ساقني في تلك الفترة إلى كرري، أم هو الذهن يشتغل بالشيء في حين من الأحيان فيرد كل ما يراه وكل ما يسمع به إليه؟
ليكن هذا أو ذاك. فقد علمت شيئاً من (كرري) وأنا أنظر في حروب الفاروق مع دولتي الفرس والروم، ولم أكن لأجمع بين العبرتين لولا أن وقفت بكرري وعرضت فتوح عمر وأنا واقف هناك
إن العقيدة لتظفر بما تريد وهي مع الغد على وفاق، ولا تظفر بشيء ذي بال وهي مع الغد على عداء
ولم تكن العقيدة ناقصة في جيش الخليفة عبد الله، بل كان له حظ منها كأوفى الحظوظ، وكان الرجل من الدراويش يهجم على النار بغير سلاح ولا يبالي الموت، فقصارى جزائه من هذه الشجاعة كان أن يموت
وكانت العقيدة زاد المسلمين في جيوش عمر فشجعوا وظفروا وعاشت عقيدتهم بعد من ماتوا، لأنها كانت عقيدة يحارب معها الغد وتجري في طريق التقدم، فلا تتصارع العقيدة والغد إلا كان النصر للغد على العقيدة، ولا يتفقان ويغلبهما غالب كائناً ما كان حظه من الجند والسلاح.