للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذليلة في الروح والأسلوب لأحد الكتاب أو أحد الشعراء

أنظر أين أنت، فأنا أحب أن أعرفك بالروح قبل أن أعرفك بالأسلوب، وافهم جيداً أنه لا قيمة لأديب بلا روح، روح أصيل تعرفه بسيماه، ولو أقبل عليك ملَّثماً مع ألوف من الأرواح

هل قرأت سورة يوسف؟

في تلك السورة الكريمة آيةٌ صريحة في أن يعقوب وجد ريح يوسف قبل أن يصل القميص، وأنه شُفِي من عماه عند وصول القميص

فهل تفهم المراد من هذا الرمز الطريف؟

هل تفهم كيف يدرك الأعمى أشياء بطريق لا سمع فيه ولا لمس؟

هذا هو الروح الذي أحب أن تلتفت إليه في حياتك الأدبية؛ الروح الذي يدل عليك من أول سطر، أو من أول حرف، قبل أن يرى القارئ اسمك في خاتمة مقالك، فإن وصلت إلى هذا فأنت من أصحاب الذاتية

ولكن كيف تصل؟

هنا يبدأ الحديث عن المنهاج:

يجب أولاً أن تحرر عقلك وقلبك وروحك من جميع الأوهام والأباطيل والأضاليل. ومعنى هذه الوصية أنه يجب أن تنظر في جميع الأشياء وجميع المعاني نظرة استقلالية منزهة عن الخضوع لنظرات من سبقوك ولو كانوا من أعاظم الرجال، لأن الغرض هو أن تصبح روحك جارحة من الجوارح، وهي لا تصير كذلك إلا إن عودتها الفهم والإدراك بلا وسيط. وهل تكون الروح أقل قيمة من الرِّجل، يا بني آدم، والرجل لا تمشي إلا إن عودناها المشي؟

وإذا كان علم السباحة لا يُعّرف بالوصف، وإنما يُعَرّف بالتدريب على مغالبة الماء في أيام أو أسابيع، فعلم الروح لا يدرك بالوصف، وإنما يدرك بتدريب الروح على التذوق والتفهم في أعوام أو أزمان

أراد سابح عبور النيل فغرق، وأراد سابح عبور المانش فنجح، مع أن السباحين توأمان. فكيف نجح هذا وغرق ذلك؟ يرجع الفرق إلى اختلاف التمرين والتدريب. وما يقال في

<<  <  ج:
ص:  >  >>