معقل مَن تعادل (حنيفة) نشباً ونسباً. ولكن - واخيبتاه - إن سنة الصاعدة، وراتبه المتواضع خيَّبا مطمحه وأعجزاه عن منيته
واليوم - وما أسرع كرّ الغداة ومرَّ العشى! - ذرَّف أمين على الخامسة والخمسين، فهو يطامن كثيراً من جماح آماله، ويتطلع راضياً إلى الأسر التي على شاكلته، ولكن مرضه الظاهر يصرف عنه النظر، وهو يعْدُ غادٍ قريباً على أمر شديد كريه: المعاش!
كل شيء يشعر أميناً أن الأيام تقف به على ثنية الوداع، ولكنه مع ذلك متشبث بالأمل. . . إنه ينشد زوجة تخلص له الحبَّ، وتأسو الجراحات، وإنَّ طيف هذه الزوجة المجهولة ليراوحه ويغاديه! لقد نهل في سني عمره الذاهب من كل شيء ولكنه يشكو الأوامٍ. . . فهو يريد لقلبه الكسير قلباً يروَى من رحمته؛ يريد مثابة ينفض لديها شكاياته ونجواه؛ يريد لنفسه المعنَّاة تسليةً وتأسيةً وولاءً. . . إن به حنيناً مبرَّحاً إلى جناح يكنفه في شيخوخته، ولكنَّ الحقيقة الممضة: حقيقةَ صحته التي تحيفَّ منها السنُّ والمرض، حقيقة معاشه المحدود الذي لا يكفل العيش الرافع لعروس تساق إلى شيخ، وطفل سيغشاه اليتم في مطالع حياته. هذه الحقيقة كانت تدفع ذلك الطيف في عنف، وتؤكد لأمين أن أمانيه فوق ما يجوز له تمنيه، وأنه يحاول العَدْوَ وراء فائتٍ ليس يُلْحق
ويرى (أمين) رجلاً وزوجته يسيران في طريق، أو يجلسان في طنف، فيغبط الرجلَ على نعمة الشريكة، ويبديء يُعيد فيما تريق الأليفة لأليفها من العطف، وتبذله من العون، وتطعمه من الحنان. . . ويسبح في خيالات ما لها قَرَار. . .
ويدعي (أمين) إلى حفلات الزواج، فتهفو مناظرها بروحه إلى الزوجة، وتصيب كلمات المأذون في فضل الزواج الوتر الأرنَّ من قلبه، وتطلق عاطفة الأبوة الحبيسة، وتزيده شعوراً بالوحشة
ويسائل (أمين) نفسه: أَلَمْ يأن لي أن أقعد هذا المقعد الحبيب: مقعد (عريس) من والد عروس، وأن أقوَل وأسمع هذه الصيغة العذبة: صيغة القرآن؟ أمات الأمل في أن يتجه إلى يوماً جمع من هذه الجموع بتلك العبارة العذبة:(مبروك، مبروك، يا عريس)؟
وينثني أمين وطرفه غارق في الدمع
ويزور أمين صديقاً مريضاً فيغبطه - مع ما يشاهد من كربات المرض - أشد الغبطة، لأنه