ويختلف في مرماه عن هيرودوتس فهو يرمي إلى غرض تعليمي وإلى إعطاء دروس في السياسة حقيقية.
ولم تهتم حكومة في القديم بتدوين أخبارها مثلما اهتمت الحكومة المصرية. فعنى الملوك والأمراء والعظماء بتسجيل أعمالهم، وتدوين حوادثهم، ووصف نواحي حياتهم المختلفة: الحياة السياسية والدينية والاجتماعية، وحاولوا إعطاء الخلف صورة واضحة عن حياة السلف. وكانت فلسفتهم التاريخية الاستعداد في هذه الحياة الدنيا للحياة الآخرة، فالحياة الدنيا ليست دار قرار ولا دار عدالة. وكما أهتم المصريون القدماء بتدوين أخبارهم حاولوا تشويه معالم تاريخهم. فكانت هناك محاولات فردية قام بها بعض الملوك لطمس معالم تاريخ من سبقوه. ولكن لحسن الحظ لم تنجح مثل هذه المحاولات نجاحاً تاماً.
وقد ظل مظهر القصص والسياسة يغلبان على دراسة التاريخ مدة طويلة في العصر القديم. ومن بعد عهد المؤرخين الرومان من أمثال سالوست وليفي وتاكيتوس أصبح التاريخ فرعاً من فروع الأدب وانحطت دراسته. ولقد أغفل المؤرخون القدماء ما نسميه الآن بالتاريخ العام فما كانوا يعترفون بغير الإغريق والرومان؛ وما عداهم من الأمم فكانوا (متبربرين).
ثم جاءت المسيحية ونمت، فلم يعد المؤرخون يهتمون بأنباء الوثنية أو بالماضي الوثني، وإنما اهتموا بالمسيحية ذاتها. وكان للمسيحية فلسفتها التاريخية الخاصة بها، فحوادث هذا العالم - كما ترى - سائرة وفق نظام إلهي لتمهيد الطريق لظهور المسيح؛ وعلى فكرة ظهور المسيح يتوقف تاريخ ما قبل المسيح وما بعده، فبعده تقاسي الإنسانية أنواع العذاب إلى يوم القيامة. وقد وجدت هذه الفلسفة أحسن تعبير لها في كتاب القديس أغسطين (مدينة الله). وقريب من هذا فلسفة المسلمين التاريخية في العصور الوسطى إذ يرون العالم سائر وفق نظام وضعه الله له إلى يوم القيامة، وفي ذلك اليوم يجزي الله الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
أما نظرية التطور والتقدم فلم تظهر واضحة في العصور الوسطى، وإن كانت مبادؤها قد وضعت في الماضي الإغريقي. لأن الفكرة المنتشرة في أوربا في هذه العصور كانت فكرة الخطيئة الأولى، خطيئة آدم وحواء وليس هناك مجال للتقدم والتحسن. ويغلب على التاريخ