في ذلك الوقت نوع الجوليات، يضعه في الغالب رجال الدين الذين يهتمون بانتقاء المعجز والغريب من الأخبار، وربما كان خير مثل لهؤلاء جريجوري التوري. أما في الشرق عند المسلمين فكانت الحالة قريبة الشبه فكان الاهتمام (بالنقل) هو الظاهرة البارزة، وكانت النزعة الدينية غالبة، أما روح النقد الحقيقي كما نعرفه في الوقت الحاضر فما كانت موجودة إلا عند القليل.
سادت فكرة تفوق القديم بصفة عامة في العصور الوسطى، بل كانت مسيطرة على عقول عدد كبير من رجال النهضة. فكانوا يعتقدون في تفوق الإغريق والرومان فهم أرباب العلم والأدب والفن فما وصلوا إليه هو درجة الكمال لا يمكن الزيادة عليه. ولكنه بالرغم من ذلك بدأت تظهر فكرة التقدم واضحة في عصر النهضة نفسه. فكميافلي لا يرى الانسانية سائرة في طريق التقهقر - بدأت تظهر فكرة التقدم واضحة عندما أخذ الإنسان يشعر بأنه حر الإرادة يستطيع تحديد مستقبله إلى حد كبير. فبودن وهو من أعلام المؤرخين يرى أن التاريخ يعتمد على مشيئة الإنسان، ففي كل وقت تظهر قوانين وعادات ونظم جديدة كلها من صنع الإنسان، ويلاحظ قانوناً عاماً هو أنه ليس هناك انحطاط مستمر بل رقي تدريجي.
نشبت إذن معركة بين القدامى والمحدثين، بين الذين يقولون بتفوق الماضي وبين الذين يقولون بنفوق الحاضر، وظهر الإيمان بنظرية التقدم على يد فونتنل في القرن السابع عشر. يقول فونتنل:(ليس هناك فرق بيننا وبين أجدادنا إلا أنهم سبقونا في ميدان العلم فكانوا المخترعين الأول، ولو كنا محلهم لقمنا بمثل ما قاموا به، ولو كانوا محلنا لعملوا مثل ما نعمل، فنحن نجلهم أكثر مما ينبغي كما سيجلنا أبناؤنا فيما بعد). وجاءت ثورة ديكارت الفكرية التي أعلنت استقلال الإنسان في أعماله مؤيدة فكرة التقدم. ويضيف ليبنتز فيقول:(وعلى ممر الأيام سيصل الإنسان إلى درجة من الكمال لا نتصورها اليوم).
ازدادت العناية بالتاريخ في العصور الحديثة لحركة النهضة وللكشف الجغرافي. درس الانسانيون التاريخ، لأنه يفسر لهم العالم الإغريقي والروماني القديم، وكان في نظرهم خادماً للأدب، ولما قامت حركة الإصلاح الديني زادت أهمية التاريخ إذ وجد فيه المصلحون أسلحة قوية ضد ادعاءات البابا؛ واهتم به المفكرون الاجتماعيون لأنه يفسر في