للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نظرهم نظرية التقدم والنمو. فلا عجب إذا عنى المؤرخون بجمع الوثائق وتنظيمها. والاهتمام بالعوامل الجغرافية في دراسة التاريخ.

ولقد جاء منتسيكو وفلتير وقالوا بقيمة العوامل الطبيعية في تسيير التاريخ (فليست الصدف هي التي تحكم العالم في نظر منتسيكو، فالظواهر السياسية كالظواهر الطبيعية لها قوانينها العامة) ويرى أن الأخلاق تعمل على رفع الشعوب وأن العوامل الجغرافية والمناخية تؤثر في مجرى الحياة الإنسانية. أما فلتير فقد اهتم بتاريخ الشعوب ففي كتابه (عصر لوي الرابع عشر) أعلن أن غايته ليست وصفاً لعمل فرد وإنما لعقل الأفراد وللروح التي تسيطر عليهم. ولقد نحا نحوها الطبيعيون أو الفيزيوقراط وقالوا أن الإنسانية ولو أنها ترتكب كثيراً من الأخطاء إلا أنها سائرة في طريق التقدم، وأن الناس يعملون بوحي قوانين إلهية لا يستطيعون النكول عنها، هذه القوانين ترمي إلى صالح الفرد وإلى صالح الجماعة.

وكان للثورة الفرنسية فلسفتها التاريخية، فكوندرسيه يرى أن التاريخ يوضح نظرية التقدم ويساعد على تعيين اتجاهها في المستقبل، وحوادث التاريخ في اعتقاده تدل على أن الطبيعة لم تضع حداً لنمو الإنسان، وأن رقيه نحو الكمال رهين ببقاء العالم، وأن تقدم الإنسان بطئ تارة وسريع تارة أخرى، ويستطيع الإنسان التكهن بالحوادث إذا عرف القوانين العامة للظواهر الاجتماعية، ويمكن معرفة هذه الظواهر من دراسة التاريخ.

ومن القرن الثامن عشر لم يعد الاهتمام التاريخي مقصوراً على دراسة الأشخاص والشعوب، بل أخذ يمتد إلى دراسة الحضارة أو ما يسميه الألمان وقد زاد الاهتمام بدراسة التاريخ في القرن التاسع عشر على يد نيبور رانكه المؤسس للمدرسة التاريخية الحديثة، فزادت العناية بالرجوع إلى المصادر الأصلية للتاريخ وإلى دراسة نواحيه المختلفة وامتد نفوذ هذه الدراسة إلى بقية أجزاء أوربا وأمريكا.

(البقية في العدد القادم)

محمد مصطفى صفوت

<<  <  ج:
ص:  >  >>