وردان، وسار الثلاثة إلى قصر الشمع. . . فدخل عمرو وهو راكب حتى وصل إلى قبة الملك، ورأى السريرية والحجاب وقوف والبطارقة وهم في زينة عظيمة، فلما رأى ذلك عمرو تبسم وقرأ:(فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خيراً وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون). . . فأمروا عمراً أن ينزل عن جواده، فنزل وترجل، وجلس حيث انتهى به المجلس، وأمسك عنان جواده بيده ويده اليسرى على مقبضة سيفه، ونظر إلى زينتهم وزخرفة قصرهم فقرأ:(ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون، ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون، وزخرفاً وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين) ثم قال: أعلموا أن الدنيا دار زوال وفناء، والآخرة هي دار البقاء. أما سمعتم ما كان من نبيكم عيسى وزهده وورعه؟ كان لباسه الشعر ووساده الحجر وسراجه القمر. وقد قال نبينا صلوات الله عليه: إن الله أوحى إلى عيسى أن نح على نفسك في الفلوات، وعاتبها في الخلوات، وسارع إلى الصلوات، واستعمل الحسنات، وتجنب السيئات، وابك على نفسك بكاء من ودع الأهل والأولاد، وأصبح وحيداً في البلاد. وكن يقظان إذا نامت العيون، خوف من أمر لابد أن يكون. فإذا كان روح الله وكلمته فخوف بهذا التخويف، فكيف يكون المكلف الضعيف؟ وأول من تكلم في المهد قال: إني عبد الله، فإذا كان أقر لله بالعبودية فلم تنسبون إليه الربوبية؟ تعالى الله ما اتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا أشرك في حكمه أحدا، جل عن الصاحبة والأولاد، والشركاء والأضداد. لا صاحبة له ولا ولد ولا شريك له ولا وزير، ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انتهاء، ولا يحويه مكان، ليس بجسم فيمس، ولا بجوهر فيحس، لا يوصف بالسكون والحركات، ولا بالحلول والكيفيات، ولا تحتوي عليه الكميات، ولا المنافع ولا الضارات. ثم إنه (يعني عمراً) قرأ (إن كل من في السموات والأرض إلا أتى الرحمن عبداً، لقد أحصاهم وعدهم عدا، وكلهم آتاهم يوم القيامة فردا). فقال له الوزير: أصح عندكم معاشر العرب أن المسيح تكلم في المهد؟ قال: نعم. قالوا له: فهذه فضيلة قد انفرد بها عن جميع الأنبياء. فقال عمروا: قد تكلم في المهد أطفال منهم صاحب يوسف وصاحب جريح وصاحب الأخدود وغيرهم. فقالوا يا عربي، أتكلم نبيك بغير العربية؟ قال: لا، قال الله في كتابه: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء