ويهدي من يشاء). قالوا: أبعث الله منكم أنبياء غير نبيكم؟ قال: نعم. قالوا: من؟ قال صالح وشعيب ولوط وهود. قال: فلما سمعوا كلام عمرو وفصاحته وجوابه الحاضر قالوا بالقبطية للملك: إن هذا العربي فصيح اللسان جريء الجنان ولا شك أنه المقدم على قومه وصاحب الجيش، فلو قبضت عليه لانهزم أصحابه عنا. قال وغلام عمرو وردان يسمع ذلك. فقال الملك أنه لا يجوز لنا أن نغدر برسول لا سيما ونحن استدعيناه إلينا. فقال وردان بلسان آخر ما قالوه، ففهم عمرو كلامه. ثم أن الملك قال: يا أخا العرب، ما الذي تريدون منا وما قصدنا أحد إلا ورجع بالخيبة؟ وإنا قد كتبنا إلى النوبة والبجاوة، وكأنكم بهم قد وصلوا إلينا. فقال عمرو: إننا لا نخاف من كثرة الجيوش والأمم وإن الله قد وعدنا النصر وأن يورثنا الأرض، ونحن ندعوكم إلى خصلة من ثلاث: إما الإسلام وإما الجزية وإما القتال. فقالوا: أننا لا نبرم أمراً إلا بمشورة الملك المقوقس، وقد دخل خلوته، ولكن يا أخا العرب ما نظن أن في أصحابك من هو أقوى منك جناناً ولا أفصح منك لساناً. فقال عمرو: أنا ألكن لساناً ممن في أصحابي، ومنهم من لو تكلم لعلمت أني لا أقاس به. فقال الملك: هذا من المحال أن يكون فيهم مثلك. فقال: إن أحب الملك آتيه بعشرة منهم يسمع خطابهم. فقال الملك: أرسل فاطلبهم. فقال عمرو: لا يأتون برسالة وإنما إن أراد الملك مضيت وأتيت بهم. فقال الملك لوزرائه: إذا حضروا قبضنا عليهم، والأحد عشر أحسن من الواحد. ووردان يفهم ذلك. ثم أن الملك قال لعمرو: امض ولا تبطئ علي. فوثب عمرو قائماً وركب جواده، فقال الملك بالقبطية، لأقتلنهم أجمعين. فلما خرج من مصر قال له وردان ما قاله الملك. فلما وصل إلى الجيش أقبلت الصحابة وسلموا عليه وهم يقولون: والله يا عمرو لقد ساءت بك الظنون. فأقبل يحدثهم بما وقع له معهم وبما قالوه وبما قاله وردان فحمدوا الله على سلامته)
فواضح من هذا أن الواقدي متفق مع ابن عبد الحكم في مكان المفاوضة، ولكنه يختلف عنه في أحد طرفي المفاوضة؛ فبينما يقول ابن الحكم إنها كانت بين عمرو وصاحب الحصن المقوقس، يقول الواقدي إنها كانت بين عمرو وارسطوليس؛ وأرسطوليس هذا هو - فيما يحدثنا الواقدي (ص ٢٥ - ٣٠) ابن المقوقس، وقد قتل أباه لما أدركه من ميله إلى الإسلام ورغبته في أن يسلم ملكه للعرب، ثم قام مقامه والناس جميعاً يظنون أنه يقوم مقام أبيه