الفجر والشفق، ولتكن أنغام نظمك من وزن نظام النجوم)
وإذا بقوة سحرية قد تسلطت على سمعي وخيالي فعرجت إلى السماء كأني في غيبوبة، واحترقت روحي بلهيب لا يرى، وتصاعدت كالبخار حتى انتهت إلى السحاب. وكانت نظرتي هي صلتي الأخيرة بالأرض التي احتجبت وراء الغيوم. لا أدري كم مكثت في الظلام حين وجدت نفسي في ساحة معبد التقيت فيه بشيطان شعري؟ وبدا لي أن هذا المكان الذي يسمى (المعبد) كأنه يحتوي على الدهر: قبته رأس شاعر عبقري شيد عرشه السامي في مملكة الخيال، وقد بسط سلطانه على دولة الشعر، اشتعلت نار العبقرية في رأسه كالبركان فتألق جو المعبد بأضواء هذه النار. وبعد لحظة ترددت في المعبد أنغام وألحان، وتقدمت لاستقبالنا حور أمسكن بأيديهن مجامر البخور، فانتقلنا إلى عالم خرافي يفوح بالعطر، وقد تربع الشاعر منزوياً بغير اكتراث في زاوية الصمت، وأمامه موقد النار قد وضع على حجر سحري. من نظر إلى هذه النار خيل إليه أنها صيغت من الشمس لأنها تتوهج بضياء كأنه احتوى على لآلاء النجوم. وكأن الشاعر قد أذاب العلوم وألقاها في سعيرها فتصاعد دخان براق يتمثل فيه الذكاء. أنشأ في الجو قوساً متموجاً تخال أمواجه مصقولة من لجين وعسجد، فاعتلى الشاعر هذا القوس وبيده لآيات شعره، بينما رقصت أشباح أبدعت في الرقص وغنت بألحان لا تسمع، كأن في حلقات الدخان معاني مبهمة أحاطت بالنفوس فأثارت فيها عاطفة سامية غير بشرية تكاد تشبه السكر، لو أن السكر يأتلف مع العبقرية. كان بريق النظرات وهاجاً بينما كانت الأجسام خامدة كأنها احترقت بطلسم، تاركة الروح وحدها.
رقص الشاعر مع شيعته كأنهم يتهادون في الفضاء، وأقام شعائر المعبد، ثم أطرق كأنه يسجد. ولو أقامها كاهن مجوسي لما أبدع كما أبدع، ولما اهتزت له أركان المعبد كما اهتزت للشاعر، وكأنما الشاعر يستمد إلهامه من الهند والصين، فهو ينشر في جوه من محرابه خيالات تتضوع بالعطر، فتسري في نظمه قوة سحرية تجعل قوافيه تتجلى في صورة بوذا
اجتمعت بالشاعر في ساحة المعبد، وتآلفت روحي مع أعماق سريرته. لمحت في يده يراعاً قد أمسكه بقوة سحرية شيطانية؛ هو يصور العالم بهذا اليراع. إن شاء استرسل في وصف