(نظام يقوم على القوة بأكثر ما يقوم على السلطة، ذو نزعة مركزية قوية، يعتمد على مؤازرة الجيش، ويميل إلى عناصر الأحبار والكنيسة، ويصادق كبار الملاك، ويعطف على الاشتراكية في خصومتها للحركة النقابية) وتولى الجنرال دي رفيرا جميع السلطات والوزارات على مثل السنيور موسوليني وقضى على جميع الحريات الدستورية التي تمتعت بها أسبانيا أكثر من قرن، واستقبلت أسبانيا عهداً جديداً من الحكم الحديدي.
وكانت مسألة مراكش أهم وأخطر المسائل التي عنيت بها الإدارة العسكرية؛ وكان مركز أسبانيا يزداد حرجاً في الريف، وتستنزف مواردها تباعاً، ويتساقط جندها أمام هجمات عبد الكريم فرأى دي رفيرا أن يلجأ إلى الصراحة والجرأة في حل المسألة المراكشية، وقرر أن تنسحب القوات الأسبانية من المناطق الداخلية وأن تمتنع فيما يلي الشاطئ؛ وهكذا استطاع عبد الكريم أن يسيطر على إقليم الريف كله ما عدا تيطوان ومليلة، واجتمعت حوله القبائل، وأضحى قوة يخشى بأسها في شمال مراكش؛ ولم يبق استقلال الريف أمنية مستحيلة، ولم تبق على تحقيقها سوى مرحلة يسيرة، ولتكن الحوادث تطورت بشكل لم يكن يتوقعه عبد الكريم ولم تكن تتوقعه أسبانيا ذاتها. ذلك أن الفرنسيين تقدموا من حدود الريف الجنوبية، وخشى عبد الكريم عواقب هذا التقدم، فرأى أن يحول شطراً من اهتمامه إلى هذه الناحية. وفي سنة ١٩٢٥ نظم عبد الكريم هجوماً شديداً على مراكز تازة ووجده داخل الحماية الفرنسية، وأثخن في بعض القبائل الموالية للفرنسيين وهدد مدينة فاس، فارتاعت فرنسا لتلك المفاجأة، وكانت لا تزال تلقى في مراكش متاعب جمة؛ واعتزم الجنرال ليوتي حاكم مراكش العام أن يسحق تلك القوة الخطرة؛ وفاوضت فرنسا أسبانيا في تنظيم العمل المشترك في مراكش ورحب دي رفيرا بهذه الفكرة، ونظمت الدولتان خطة مشتركة لتطويق عبد الكريم وسحق قواته وبعثت فرنسا أثنين من أعظم قوادها وهما بتان ونولان إلى مراكش على رأس جيشه قوامه نحو مائتي ألف مقاتل مجهز بأحدث الوسائل والعدد، وأنزلت أسبانيا جيشاً كبيراً في الحسيمة، ونظم الجيشان بادئ بدء خطة الاتصال. وهكذا طوق الزعيم الريفي في مراكزه ولم يك ثمة شك في مصير تلك الحرب التي تثيرها دولتان أوربيتان على زعيم محلى يعتمد على آلاف قليلة من البدو ويستمد موارده وذخائره من أيدي عدوه، وأدرك عبد الكريم من شدة المعارك الأولى أن المضي في القتال عبث، وأن