الدائرة دائرة عليه بلا ريب، ففاوض الفرنسيين في التسليم بلا قيد ولا شرط، وفي ٣٠ مايو سنة ١٩٢٦ سلم نفسه إلى الجنرال بويشيت، ودارت بشأنه مفاوضة بين الحكومتين الفرنسية والأسبانية انتهت بتقرير نفيه مع أسرته إلى جزيرة رينيون من أعمال مدغشقر؛ وانهارت تلك الحركة التحريرية البديعة التي نظمها هذا الزعيم البربري الباسل، وعاد الاستعمار الأسباني فوطد سيادته في الريف، ووطد الاستعمار الفرنسي سيادته في شمالي مراكش؛ وخسرت الدولتان في تلك الحرب آلاف الرجال وملايين الأموال، ولكن الاستعمار لم يكن ليحجم عن بذل مثل هذه التضحيات الهائلة في سبيل القضاء على ثورة تحريرية تهدد مستقبله في تلك الأنحاء.
وهكذا حلت المسألة المراكشية. وكان حلها عاملاً قوياً في تأييد نفوذ الدكتاتورية العسكرية وهيبتها. وفي عهد الدكتاتورية أيضاً تحسنت الأحوال الاقتصادية. ولكن وطأة هذا النظام المطلق لبثت تثقل كاهل الشعب الأسباني؛ وكان ظمأه إلى الحريات الدستورية التي تمتع بها مدى قرن، يشتد كلما اشتد ضغط الطغيان العسكري؛ وكان هذا السخط ينفجر من آن لآخر في قطلونية وبعض الأنحاء الأخرى عن ثورات محلية كان دي رفيرا (أو المركيز دي استيلا كما لقب بعد) يقمعها بمنتهى الشدة والقسوة؛ وكانت الدكتاتورية مع ذلك تقوم دائماً على بركان مضطرم، حتى أن دي رفيرا أضطر أن يضع أسبانيا تحت الأحكام العسكرية (سنة ١٩٢٦). وفي أوائل سنة ١٩٢٧ حاول زعيم قطلونية المنفى الكولونيل ماشا أن يعبر الحدود الفرنسية مع جماعة كبيرة مسلحة من أنصاره ليسير إلى قطلونية؛ ولكن قبض عليه وعلى كثير من أصحابه عند الحدود. ورأى دي رفيرا أن يهدئ السخط العام بتخفيف وطأة النظام. وأن يعود إلى ظاهر من الحكم الدستوري، فأصدر في سبتمبر سنة ١٩٢٧ قانوناً بإنشاء جمعية للشورى. ولكن هذه الجمعية لم تكن لها أية سلطة حقيقية، ولم تكن إلا ستاراً فقط تستر من ورائه الإدارة العسكرية. وعلى ذلك فقد فشلت هذه المحاولة، ولبثت المعارضة على شدتها واضطرامها. وكان الجيش أيضاً قد بدأ ينقلب على دي رفيرا، أولاً لأنه لم يوافق على مسلكه في المسألة المراكشية حيث قرر الانسحاب أولاً عن المناطق التي كان يحتلها الجيش، ثم تساهل بعد ذلك في الاتفاق مع فرنسا، وثانياً لأنه كان يبالغ في الاستئثار بالأمر ولا يرى في الجيش سوى أداة لتحقيق سياسته؛ وكان