السورية، فقد ذكرني بماضينا الغالي، يوم كان الأديب لا يتألم إلا تألمت له أقطار وديار وشعوب، ثم ذكرني بحاضرنا المزعج، الحاضر المثقل بالعقوق، الحاضر الذي يقضي بأن يعيش الأستاذ أحمد علام أسابيع وهو معصوب العينين بعد عملية خطيرة، ولكنها بإذن الله مرجوة النجاح، ثم لا نقرأ في إحدى المجلات الأدبية كلمة يتوجع كاتبها لفنان كانت عيناه أجمل ما رأت العيون
لقيني الأستاذ أحمد علام مرة بعد فراق طال، فاعتذرت عن تقصيري بكثرة الشواغل، فابتسم ابتسامة العاتب ثم قال: سيكون نصيبي منك نصيب الأستاذ محمد السباعي، فلا تؤدي حقي من الوفاء إلا بعد أن أموت!
ولقيني مرةً بعد ذلك فقال: كيف تشيد في مجلة الرسالة بمواهب الأستاذ إبراهيم الجزار في إنشاد الشعر ثم تنساني؟
فقلت: إن إبراهيم الجزار مات، ولم يبق له غير وفائي
فقال: عيب الدكتور مبارك أنه يذكر الأموات وينسى الأحياء
ومنذ يومين كنت أسير في شارع فؤاد فهتف هاتف والترام يعدو به عدواً: دكتور، دكتور، دكتور! فالتفت فإذا الأستاذ عباس فارس، فقلت: نعم، نعم، نعم! فقال: هل زرت الأستاذ أحمد علام؟
ومضيت إلى ما أريد قبل أن يمضي الترام إلى ما يريد، فلن أرى أحمد علام إلا بعد أن يرفع العصائب عن عينيه الساحرتين. فهل يكرمني الله فيبرئ هذا العليل النبيل لأزور مع شواطئ النيل قبيل الغروب، ولنقول معاً بصوت الشكران للواهب المنان: هنا وقفنا قبل عشرين عاماً أو تزيد!
أنا أقدم جائزة لمن يثبت ولو عن طريق التلفيق أن الأستاذ أحمد علام نكث بعد عهد، أو خان بعد وفاء
ذلك روح لا تجود بمثله الأقدار إلا في القلل من الأحايين
فارفع العصائب عن عينيك يا أحمد لتقرأ هذه الكلمات، ولتعرف أن أخاك لا ينساك، ولتفرح (فرحة الأديب بالأديب) يا أجمل أمثلة الأدب في هذا الجيل