هي عصا شعرية، وإليها يرجع الفضل في تذكيري بالواجب نحو الأستاذ أحمد علام، عصا سوداء ورثها الأستاذ إلياس أبو شبكة عن أبيه، ثم أوحت إليه هذه الأبيات اللطاف:
عروسٌ تزيتْ بزِيَّ الدُجُنهْ ... ولقَنها ساحِرُ اللّيل فنهْ
تناهتْ إلى والدي من أبيه ... وأورثنيها عجوزاً مُسِنهْ
لئن كثرت في الدُجى عن بريق ... أخافت طيوف الظلام وَجِنَّهْ
إذا هَبطَ الليلُ أرخِي لها ... على حَصَبات الطريق الأعنَّهْ
فيَسمع من صُلبها العاشقون ... وقد أرِقوا رنْةً إثْر رَنهْ
أنينٌ سَرَى من عروق إليها ... فرَنَ بها كصَليل الأسِنَّهْ
ثم وقع أن أخذ أبو شبكة إلى دار الشرطة بتهمة التجمهر في أحد الأيام السود، ولم ينج من السجن إلا بعد أن سمع بخبره وزير الداخلية، وردت إليه الشرطة كل ما أخذت منه إلا عصاه، فصرخ: هاتوا عصاي! فقال أحد الرؤساء: عصاك التي قلت فيها شعراً؟ فأجاب: نعم، عصاي التي قلت فيها شعراً. ولم تعد العصا برغم هذا الصراخ، فكتب في جريدة المعرض يقول:
(أيها الجندي الذي خطف عصاي من يدي، من أنت؟ ومن تكون؟ وأي شأن لك بعصاي، عصاي التي قلت فيها شعراً؟)
وبعد أسبوع تبارى اللبنانيون بالهدايا، هدايا العصي إلى الشاعر الذي فقد عصاه الشعرية، وسرى الخبر إلى اللبنانيين في المهاجر فتلقى عصاً من الأرجنتين وعصاً من البلجيك، وبهذا كان أعظم شاعر (مضروب) في هذا الزمان
أكرم الله أهل لبنان، فما يزالون من أمثلة الأريحية العربية!
مع الأستاذ علوبة باشا
الحديث ذو شجون، كما يقال، فليس من الإسراف أن أستطرد فأقول:
منذ عامين لقيت الأستاذ الجليل محمد علي علوبة باشا بقصر عابدين وفي صحبته الأستاذ أنطون بك الجميل، فدعاني برفق ليسر إلي إحدى نصائحه الغالية، فاشترطت أن يسمع الأستاذ الجميل خشية أن يستوحش من إبعاده عن حديث هو منه قريب