يجد أحداً منهم اهتم بإيجاد وحدة مترابطة من حقائق التاريخ. وهو يرى أنه في كل ميادين البحث قد صار للتعميم قيمة عظمى، وبذلت جهود للخروج من حيز الحقائق الجزئية إلى المعاني العامة بينما لا يرى أثراً لذلك في التاريخ، فهم المؤرخين في نظره هو سرد الحقائق، ولذا يرى أنه أصبح من السهل على كل مكسال لا يحسن التفكير قراءة بضعة كتب ليصير مؤرخاً. ويرى (بكل) أن أعمال الإنسان ما زالت ترسف في أغلال القوى الروحية، فلا يمكن وجدان سبب أو نتيجة؛ ويقول لقد وجدنا في ناحية مهمة من الإعمال الإنسانية قوانين طبيعية، لا سيما في ميدان الاقتصاد السياسي، فقد فسرت لنا قوانين الاقتصاد الأزمات التي كانت تقع في الماضي. ويتساءل (بكل): لماذا لا نجد قوانين لأعمال الإنسان الأخرى. يرى أن هناك عوامل كالمركز الجغرافي والجو والتربة والوسط الاجتماعي تحدد أعمال الإنسان، ويعزو تقدم البشرية إلى العقل لا إلى العاطفة والأخلاق
ومن أهم من قال بوجود قوانين للتاريخ فسيولويوجي أمريكي (دريبر ففي تاريخه (نمو أوربا العقلي) يمثل المجتمع بالفرد ويرى أن التقدم الاجتماعي خاضع لقوانين طبيعية كالنمو الجسمي، فحياة الفرد ما هي إلا تصغير حياة الشعب. والاثنان لهما طفولتهما وشبابهما وكهولتهما وهرمهما
هذه المحاولة من جانب المؤرخين لوضع في التاريخ في مصاف العلوم، ناشئة عن أن الاستقراء والتجريب قد شملا كل العلوم الطبيعية في القرن التاسع عشر. والاستقراء والتجريب لا يمكن تحقيقهما في التاريخ، لأن العلم الطبيعي يبحث في أشياء هي في متناول الإنسان يستطيع أن يقلبها على وجوهها المختلفة ويجري تجاربه كما يريد. فالعلوم الوصفية والطبيعية دقيقة لأن البحث فيها موضوعي صرف. أما التاريخ فهو من العلوم الإنسانية، وكل العلوم الإنسانية غير دقيقة لأن حياة الإنسان لا يمكن قياسها ولا وصفها بنفس الدقة التي نستطيعها في العلوم الوصفية، فنحن لا نستطيع قياس عقلية الإنسان ولا عواطفه ولا معلوماته قياساً دقيقاً. بل وأكثر من هذا أن كلا منا لا يستطيع أن يتعرف ما نفوس الذين يشاركونه المعيشة، فنحن كما يقول برسي نان في كتابه:(التربية. . .) كجزائر منعزلة يفصلها بحر لا يمكن عبوره، وأن وسيلة التفاهم بيننا وهي اللغة غير كافية، فشتان بين ما يجده الإنسان في نفسه وبين ما يصنعه للغير. فكيف إذن يعرف