الإنسان ما في نفوس الناس الذين مضوا، وكيف يقدر الدوافع لأعمالهم والظروف التي قامت فيها هذه الإعمال. ثم إن الإنسان من جهة أخرى يفسر أعمال الناس وفق شخصيته ومزاجه وثقافته لا يرى في الأشياء إلا ما يحب أو ما يستطيع أن يراه فيها. فقد يرى المؤرخ في عمل ما العظمة وما هو بعظيم، وذلك لتأثره بطريقة لا شعورية بشخصية من قام بذلك العمل. ومن جهة ثالثة هل لدنيا مقاييس ثابتة نحكم بها على أعمال الناس؟ هل نقيس هذه الإعمال بحب الشخص لذاته أو بحبه للآخرين أو برغبته في أداء الواجب. الواقع ليس هناك مقياس متفق عليه. وكيف نفسر الحوادث بمنطق العقل أم بمنطق الجموع أم بمنطق الدين؟ ثم بعد ذلك هل من الممكن في تقدير أعمال الناس في الماضي أن نفصل بين ما ورثه الإنسان من آبائه وأجداده وبين ما اكتسبه من بيئته؟
التاريخ يدرس حقائق الإنسانية الماضية، هذه الحقائق ليست في متناول أيدينا، وهي لن تعود مرة أخرى. ثم هي مجرد آثار ومخلفات تعطينا فكرة عامة، وعلينا نحن تكميل التفاصيل باستعمال الخيال. فهناك فعلاً حلقات مفقودة في التاريخ. وكثير من الحقائق المهمة قد عفا دون أن يترك وراءه أثراً. ثم من الذي كتب أو أنشأ هذه الآثار؟ أليسوا من بني الإنسان لهم ميولهم وأغراضهم الخاصة! ومصادر التاريخ فوق ذلك لا تستلزم معرفة بالتاريخ فحسب، بل معرفة تامة باللغات وطرق الكتابة والسياسة والاقتصاد والاجتماع مما جعل البحث في التاريخ عسيراً.
ويظهر أن محاولات بعض المفكرين لوضع قوانين للتاريخ لم تنجح تماماً، فالنظريات مختلفة، حتى نظرية التقدم لا زالت طائفة محترمة من المفكرين ترفضها لا سيما في النواحي الروحية. والديانات تحدثنا بأن الإنسان خرج من حياة نعيم دائم وعيش موفق إلى حياة كلها تعب وشقاء لا ينتهي. ثم ما الذي يدرينا أن العالم لا يزال في شبابه أو هو في طريق الفناء. وكثير من حوادث التاريخ بعد ذلك قائمة على الصدق لا دخل لإرادة الإنسان فيها ولا يمكن تعليلها.
ويرد على هذه الاعتراضات بالقول إن هناك ظروفاً تقع فتغير الموقف وليس للإنسان دخل فيها. ولكن بالرغم من ذلك هناك تطور وتقدم في الحياة لا يمكن مدافعته. وكما يرى جيبون بأن لكل عصر قيمته في زيادة ثروة الجنس الإنساني وسعادته ونواحي فضائله: فالإنسان