في القديم عاري الجسم والعقل لا يعرف قانوناً ولا فناً ولا أفكاراً. ثم تحسنت حالته فعمل في الأرض وطوف في أرجاء المحيط واستثمر قواه الجسمية والعقلية كما استثمر قوى الطبيعة وذلك لنفسه. ثم إن كثيراً من الصعوبات السابقة قائمة على النقص وعدم الكمال الإنساني. ويجب ألا نبالغ فيها، فكثرة الناقدين والباحثين قد أظهرت إلى حد كبير ما هو صحيح وما هو خطأ، أو هي على الأقل تحاول ذلك. ولذلك لا محل للاعتقاد بأن التاريخ ما هو إلا جملة خرافات أجمع الناس على تصديقها. والواقع أننا نجد لمعظم عصور الماضي آثاراً خالدة مادية وروحية لا يمكن الطعن فيها. ومنها ما هو في أنفسنا وثقافتنا وعقائدنا وتقاليدنا.
التاريخ فن وعلم وفلسفة: فهو فن وفلسفة من حيث أنه يستلزم من المؤرخ معرفة واسعة بنواحي الثقافة وبأمور العالم، وقدرة على اللغة والتعبير والتصوير. فالمؤرخ كالمصور أمامه الحياة الاجتماعية وعليه هو وضع صور لها. وكما أن المصور يصور الناحية الطبيعية التي تروقه بالطريقة التي يرضاها، فكذلك المؤرخ. والتاريخ علم من حيث أنه قائم على أسس صحيحة في البحث والتفكير في المصادر الأصلية والوثائق ومقارنتها ومناقشتها والحكم عليها. وطريقة البحث في التاريخ ولو أنها علمية إلا أنها في ذات الوقت فنية وشخصية، لأن دراسة التاريخ ليس معناها كشف الماضي فحسب وإنما تقدير الماضي، فلا بد من إحساس بني الإنسان بشعور خاص عند دراستهم للإنسان. فهل هم إلا أبناؤه وورثته!