للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يقصد إليه العرب فقال له: (وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده، قوم معروفون بالنجدة والشدة ممن لا يبالي أحدهم من لقي ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لم تقووا عليهم ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم. وقد أقمتم بين أظهرنا أشهراً وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلة ما بأيديكم. ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار، فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوة لكم به). فقال عبادة: (يا هذا، لا تغرن نفسك ولا أصحابك. أما ما تخوفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم وأنا لا نقوى عليهم لعمري ما هذا بالذي تخوفنا به ولا بالذي يكسرنا عما نحن فيه، إن كان ما قلتم حقا فذلك والله أرغب ما يكون في قتالهم وأشد لحرصنا عليهم. . . وإنا منكم حينئذ على إحدى الحسنيين: إما أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا. . . وأما قولك إنا في ضيق وشدة من معاشنا وحالنا فنحن في أوسع السعة، لو كانت الدنيا كلها لنا ما أردنا منها لأنفسنا أكثر مما نحن فيه. . .). ثم يخير عبادة المقوقس بين هذه الخصال الثلاث التي عهد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين وأمر أمير المؤمنين عمراً بها ثم تلقاها عبادة عن عمرو: إما الإجابة إلى الإسلام الذي يوحد بين معتنقيه ويكف بعضهم عن بعض، وإما جزية مقدرة يؤديها القبط والروم للعرب في كل عام ولهم في مقابل أدائها أن يقتل العرب عنهم من يناوئهم ويعرض لهم في شئ من أرضهم ودمائهم وأموالهم، وإما الاحتكام إلى السيف

فيقول المقوقس: (هذا لا يكون أبداً، ما تريدون إلا أن تتخذونا عبيداً ما كانت الدنيا). فيجيبه عبادة: (هو ذلك فاختر ما شئت). فيسأل المقوقس: (أفلا تجيبوننا إلى خصلة غير هذه الثلاث الخصال؟). فيرفع عبادة يديه ويقول: (لا ورب هذه السماء ورب هذه الأرض ورب كل شيء، ما لكم عندنا خصلة غيرها، فاختاروا لأنفسكم)

فيلتفت المقوقس حينئذ لأصحابه ويسألهم رأيهم؛ فيجيبون بأنهم يأبون ترك دين المسيح بن مريم إلى دين لا يعرفونه، وانهم يرون الموت أيسر لهم من أن يذعنوا للعرب ويسلسوا لهم القياد ويملكوهم منهم الرقاب، وأنهم يرضون أن يضاعفوا للعرب من المال حتى يتركوهم ويتولوا عن ديارهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>