للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

آلت النظارة على هذا الوقف إليه حتى بلع لسانه فلم يخطب، وكسر قلمه فلم يكتب، وفرغ لاستغلال الوقف والاستبداد بريعه فلم يقبل رقيباً عليه، ولم يقابل مستحقاً فيه!! ذكرت بهذا الكاتب المصلح ذلك الاشتراكي المفلس الذي كان يرى الرأسمالية وبالاً على المجتمع، والرأسماليين كلا على الناس. وكان يسوغ في سبيل اشتراكية الإرهاب والإضراب والمصادر والقتل، حتى ورث عن أحد أقربائه الأباعد قطعة من الأرض، فنصب على كل جهة من جهاتها الأربع لوحة كتب عليها بالخط العريض: (ممنوع المرور)!

وكان خطيب من خطباء المساجد عليه سمات التقى والزهد لا ينفك يقرع آذان المصلين بالعظات الزاجرة عن احتكار السلع وإفحاش الأسعار وإرهاق الناس في هذه السنين العجاف.

فإذا فرغ من الوعظ وخرج من المسجد جلس في حانوته الصغير يسبح لله ويقسم لطالب السكر أو الزيت أو الرز أن دكانه من كل أولئك خلاء. فإذا مجد الضعيف المضطر أعطاه بالسعر المضعف والكيل المطفف بعض ما يطلب! وهيهات أن تنفذ إليه عيون الحكومة من وراء الحجب الأربعة التي ضربها عليه من وظيفته وعمامته ولحيته ومسبحته!

هذا الشيخ يحسب أن حدود الدين لا تتعدى حدود المسجد، فإذا عالج شؤون الدنيا عالجها على النهج الذي سنه الشيطان لأوليائه؛ فهو كالتلميذ الذي يحسب أن قواعد النحو لا تتعدى (حصة) اللغة العربية، فإذا كتب في التاريخ أو في الكيمياء كان مطلق الحرية في إنشائه. ذلك أحسن الفروض، فإذا كان يعتقد أن الدين طعم الدنيا وشرك المال، كان كذلك الصوفي الهرم الذي زعموا أنه كان يركب الترام كل صباح إلى ضريح الشافعي فكلما أقبل عليه (الكمساري) يطلب أجر الركوب أدبر عنه وشغل لسانه بالذكر ويده بالتسبيح حتى ينصرف إلى غيره. ففي ذات يوم ألح المحصل على تغافل الشيخ وسأله عن (التذكرة) فلم ير بدا من أن يدفع هذه المرة ويقول في هيئة المفجوء ولهجة الذاهل: (معذرة يا بني! فقد شغلت بالله عن كل شيء)

كبير من الكبراء له في الصوم مذهب جديد؛ فهو يصوم الصوم (الصحي) الذي يفيد الجسم ولا يفسد الروح: يتعاطى كل ساعتين كوباً كبيراً من عصير العنب أو الليمون أو المانجو، ثم يمسك عن التبغ في النهار وعن الخمر في الليل، ويصر على أن تساقط أصابعه الثلاث

<<  <  ج:
ص:  >  >>