ووقف عمر على عامليه قبيل وفاته فقال لها: لعلكما حملتما الأرض ما تطيق؟
فقال عثمان: حملت الأرض أمراً هي له مطيقة ولو شئت لأضعفت أرضاً. وقال حذيفة: وضعت عليها أمراً هي له محتملة وما فيها كثير فضل. فقال عمر: انظرا لا تكونا حملتما الأرض ما تطيق. . .
وجرت سياسة الإسلام على هذا المنوال من فرض الخراج الثابت على كل جريب مزروع أو غير مزروع، حتى عهد الخليفة هرون الرشيد. فلقد سأل هذا الخليفة الفقيه أبا يوسف عن أمر الخراج، وكان من رأي أبي يوسف العدول عن الخراج الثابت إلى خراج المقاسمة في الإنتاج وهو ما يقول به الرأي الثاني من الرأيين اللذين سلفا. وقد رد أبو يوسف على ما يقول به الفريق الأول من أن الخراج الثابت يزيد إنتاج الأمة ويدعو الزراع إلى عمارة الأرض الغامرة:(. . . فأما ما تعطل منذ مائة سنة أو أكثر وأقل فليس يمكن عمارته ولا استخراجه في قريب ولمن يعمر ذلك حاجة إلى مؤونة ونفقة لا تمكنه، فهذا عذرنا في ترك عمارة ما قد تعطل، فرأيت أن وظيفة الطعام - كيلاً مسمى أو دراهم مسماة توضع عليهم مختلفاً - فيه ضرر على السلطان وعلى بيت المال، وفيه مثل ذلك على أهل الخراج بعضهم من بعض)
ثم يبدأ أبو يوسف بانتقاد الخراج الثابت على ما سبق ذكره من اختلاف المواسم:(أما وظيفة الطعام، فإن كان رخص فاحش لم يكتف السلطان بالذي وظف عليهم ولم يطب نفساً بالحط عنهم، ولم يقو بذلك الجنود ولم تشحن به الثغور. وإن كان غلاء فاحش لا يطيب السلطان نفساً بترك ما يستفضل من أهل الخراج من ذلك. والرخص والغلاء بيد الله تعالى لا يقومان على أمر واحد. وكذلك وظيفة الدراهم مع أشياء كثيرة تدخل في ذلك تفسيرها يطول. . .)
(ورأيت أبقى الله أمير المؤمنين، أن يقاسم من عمل الحنطة والشعير من أهل السواد جميعاً على خمسين للسيح منه؛ وأما الدوالي فعلى خمس ونصف، وأما النخل والكرم والرطاب والبساتين فعلى الثلث، وأما غلال الصيف فعلى الربع، ولا يؤخذ بالخرص في شيء من ذلك)؛ إنما تكون المقاسمات في الثمرة عندما يباع من التجار، أو يقوم ذلك قيمة عادلة، ثم يؤخذ منهم ما يلزمهم فيه