دار رأسي من هول المنظر، وفكرت في مساعدة هؤلاء المجاهدين، ولكن ماذا أملك ولم أتلق في علم الملاحة أي درس؟
وطاف بالخاطر أطياف من ماضي الجهاد في هذه البلاد، الجهاد في سبيل الرزق الحلال، فهؤلاء الملاحون هم الذرية الباقة من رجال كانوا أسبق الآدميين إلى اتخاذ الأنهار وسائط لنقل المنافع من أرض إلى أرض، وكان لهم في الملاحة مهارة راعت القدماء. . . ألم يحدثنا ياقوت في معجم البلدان عن بُحيرة مصرية كان الملاحون فيها ينتفعون بالريح أغرب انتفاع، فيسيّرون السفائن إلى الشرق بمئونة ريح تتجه إلى الغرب!
ثم نظرت فرأيت على إحدى السفن حصيرة منشورة، فوقها أرغفة صغيرة تشبه أقراص (البتاو) والبتاو كلمة مصرية قديمة معناها الرغيف
ومن أجل هذا (البتاو) يجاهد أولئك الملاحون
المعركة لا تزال دائرة، ولم يبق من الوقت غير ثلاث دقائق، فكيف تمر السفائن الثلاث في دقائق ثلاث؟
والعمال فوق الجسر ينتظرون انتهاء الوقت ليعيدوا قوائم الطريق إلى ما كانت عليه، فأسير ويسيّر المسافرون إلى النحو الذي نريد!
ولكني أنسى نفسي وأنسى طريقي، فما يهمني إلا أن ينتصر الملاحون على التيار ليدخلوا (الهويس) بسلام آمنين
هِيلا هُب، هِيلا هُب، هِيلا هُب!!!
وانتصر الملاحون قبل ثواني ثلاث يحل بعدها الميعاد
وفي تلك اللحظة شعرت بفرح لا نظير له ولا مثيل
تباركت أسماء الله! فهو النصير لمن يتوكل عليه في مقاومة التيارات
شعراء مبدعون
يقال ويقال إن الشعر قل في مصر، فلم يبق فيها من الشعراء غير آحاد، ومع هذا رأيت في موقفي ذاك بقنطرة الرياح التوفيقي عشرين شاعراً على جانب عظيم من الإجادة والإبداع في الترنم والغناء