المعنوية، وربطت أهلها برباطِِ وثيق، وأطمعتهم في معاني المجد والخلود
ومن الذي يمر على أشمون أو شنشور أو الباجور أو إسنا أو ملوي أو أسيوط أو منفلوط، ولا يتذكر أن هذه البلاد كانت منابع لعبقريات حفظ فضلها التاريخ؟
ولكن الحال تبدلت فيما بعد، وصار الانتساب إلى الريف لا يقع من الأنفس موقع القبول. وزاد الخطر بتوهم أهل الريف أن لا قيمة للحياة في غير الحواضر، وأن الريف لا يصلح مقاماً لغير العاجزين عن الانتفاع بثمرات التمدن الحديث، وصار من حق الفلاح أن يودع المسافر إلى القاهرة بهذا النشيد:
(ليلتك سعيدة وسعيدة يا رايح مصر)
ثم لطف الله بالمصريين فوصلوا قراهم بعد القطيعة، وآنسوها بعد الإيحاش، وأصبح من المألوف أن تجد فتى من حملة الإجازات العالية يحدثك عن متاعبه في البحث عن أدوات الحرث والحصاد، وصار من السهل أن تجد في الوزراء السابقين من يستغل نشاطه في استئجار الأراضي الواسعة بالريف
وأظهر أمراء مصر عناية بمزارعه هو صاحب السمو الأمير عمر طوسون، فقد سمعت أنه يعرف أملاكه قطعة قطعة، وأنه يراقب الأسعار مراقبة الخبراء. وهذا هو السر في أن الله حفظ عليه نعمة اليسار العريض
أخيلة ريفية
والذي يهمني من هذا كله هو انتفاع الأدب الحديث بعودة المصريين إلى الريف، فقد لاحظت أن في كتابنا من تساورهم الأخيلة الريفية، وهي أخيلة على جانب من الجمال، وستغذي الأدب الحديث بألوان وألوان
ولتوضيح هذه الفكرة أذكر أني كنت ألوم الأستاذ الزيات على طول مقامه بالريف، ثم تمنيت أن يقيم بالريف إلى آخر الزمان حين رأيته يقول:
وفي صباح اليوم قرأت كلمة للدكتور سعيد عبده في (مجلة الساعة ١٢) كلمة من جنس كلام الأستاذ الزيات في الاستفادة من الأخيلة الريفية، فالتفت ذهني إلى هذا المعنى من