في ذلك الخاتم. فحار في أمر وعلم بأن ما كان في ليلته البارحة لم يكن حلماً بل حقيقة. أما صورة الأميرة الحسناء فلم تبرح ذهنه
وكذلك كان أمر الأميرة (زين) فإنها لما استيقظت من نومها على خرير دجلة حسبت حادث الليلة البارحة حلماً في النوم؛ ولكنها لما وجدت خاتم (مم) في إصبعها اعتقدت أن في الأمر أعجوبة، لأن ما رأت كان حقيقة لا حلماً. وكانت صورة الأمير (مم) الجميل مطبوعة طبعاً ثابتاً في مخيلتها
أما حقيقة الخبر، فهي أنه في الليلة التي فكر فيها الأمير (مم) في الزواج أوقعه الجن في سبات عميق، ثم حملوا إليه (زين) من خدرها وجرى ما جرى بين الأميرين في تلك الليلة. وقبيل انفلاق الصبح أوقعه الجن مرة أخرى في سبات عميق هو وحبيبته وعادوا بالحسناء (زين) إلى خدرها في الجزيرة بغير شعور منها
لما أفاق الأمير (مم) من سباته ووقف على جلية الأمر قطع على نفسه عهداً ألا يتزوج غير الأميرة (زين) بنت أمير الجزيرة. فنهض من فوره وارتدى ملابسه وحمل سلاحه وامتطى جواده وخرج من المدينة بغير علم رعيته قاصداً الجزيرة ليخطب بنت أميرها التي حملها إليه الجن في الليلة البارحة السعيدة. وبعد سفرة طويلة شاقة وصل الأمير (مم) إلى تلك المدينة فذهب تواً إلى قصر الأمراء المطل على دجلة وحل ضيفاً على اخوة (زين) الثلاثة الذين اكرموا وفادته. فنعى خبر قدومه إلى الأميرة (زين) فحملها الشوق الشديد إلى رؤيته على ركوب كل مركب في سبيل الوصول إليه. فتحينت كل فرصة سانحة للاجتماع به غير آبهة لعذل العذال ولا مكترثة لنميمة النمامين. وطفقت تجتمع به سراً حين يخرج أخوتها الأمراء إلى الصيد والقنص، إذ كان (مم) يتخلف عن الذهاب معهم بحجة يختلقها كل يوم فيتذرع بها للبقاء في القصر وحده لكي يتاح له الاجتماع بحبيبته.
وكان في القصر وزير اسمه (بكو عوان) من دأبه إيقاع الأذية بالناس ولا سيما أولئك الذين كانوا موضوع حسده. فحقد هذا الوزير على الأمير (مم) وطفق ينتهز الفرص للإيقاع به. فبث العيون والأرصاد ليأتوه بأخبار (مم) و (زين). فعلم بأمر اجتماعهما، ووقف على ما كان يجري بينهما، وأخذ يدس للعاشقين عند الأمراء أخوة (زين)، ولكن أولئك الأخوة لم يعيروه أذناً صاغية.