واتفق يوماً أن (مم) تخلف على عادته عن الخروج إلى الصيد مع الأمراء بحجة المرض. فاجتمعت به (زين). وبينما كان الحبيبان يتباثان لواعج الهوى إذا بالأخوة يدخلون القصر راجعين من الصيد ومعهم (بكو عوان). فأسرع (مم) إلى إخفاء (زين) تحت عباءته الواسعة المنسوجة من المرعز، ولكنه نسى أن يخفي إحدى ضفائر شعر (زين) الطويل فبرزت من العباءة دون أن يشعر بذلك (مم). فدخل الأخوة الأمراء ودخل معهم بكو عوان الديوان الذي كان فيه (مم) فلم ينهض (مم) لهم بحجة مرضه. ولم يشاهد ضفيرة الشعر الخارجة من العباءة أحد سوى (بكو عوان). فأسر (بكو عوان) في أذن الأخ الأكبر (جكو) قائلاً: (ما أوقح هذا الضيف! أرأيت كيف أنه لم يقم إجلالاً لكم وأنتم الأمراء بل ظل جامداً في مكانه كأن الداخلين من عامة الناس أو من خدمه وحشمه؟) فأجاب (جكو) قائلاً:
(تباً لك من وغد ذميم! إن عدم قيام (مم) ليس تكبراً بل ذلك عجز منه لأنه مريض).
فقال بكو معترضاً:(كلا، ليس السبب مرضه، وقد لا يكون عدم قيامه لكم لتكبره، إلا أنني أرى سبباً آخر يمنع الأمير الضيف من القيام)
قال هذا وأشار بيده إلى ضفيرة شعر الأميرة البارزة من العباءة
فلما وقعت عين جكو على الضفيرة، استشاط غيظاً فطرد أخته زين من الديوان، وأمر بزج مم في غياهب السجن، وكان السجن حبساً ينزل إليه بأربعين دركة
فظل مم في السجن أربعين يوماً وليلة وهو يقاسي أشد آلام البين. وما انفكت زين في خلال تلك المدة تسعى لدى أخوتها لإطلاق سراح مم بدعوى أنه خطيبها جاء ليخطبها من أخوتها. وأخيراً تمكنت زين من التغلب على دسائس بكو عوان، فأقنعت اخوتها بالإفراج عنه
وفي موعد إخراج الأمير مم من سجنه بعد مضي أربعين يوماً على حبسه، لبست زين أفخر ملابسها، وتحلت بأثمن حليها وسارت مع أربعين فتاة عذراء من أجمل بنات المدينة إلى السجن لتخرج منها حبيبها السجين في موكب العذارى. . . ولما وصلت إلى رأس السلم نادت مم بصوتها العذب. . . فنظر إليها نظرة ولهان لم يصدق ما يشهده، فرأى زين في غاية الجمال الفتان. . . أما زين، فخيل إليها أنه غاضب عليها وعلى اخوتها فخاطبته تقول: