للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تو إقامته، في دراسة واسعة للغة العربية فحذقها حذقاً تاماً كتابة ولفظاً. وقد أفادته تلك الرحلة إلى الشرق - وهي الرحلة التي كان يتحرق شوقاً إليها - خبرة معنوية عظيمة. وقد قال في مذكراته:

عندما نزلت إلى الأرض لأول مرة داخلني شعور طاغ يشبه شعور عريس على أهبة رفع القناع عن وجه عروسه التي لم يرها من قبل. ولقد كان تأثره بعد ذلك بما رأى عميقاً، وامتلأ إعجاباً عظيماً بكل ما يمت إلى الإسلام بصلة

وعندما عاد إلى إنجلترا، كان قد درس مصر وشعبها ولغته دراسة عميقة، وكتب وصفاً مسهباً مخطوطاً عن الحياة في مصر. فلما طلب إليه أن يقوم بنشره أصر على الرجوع ثانية إلى مصر قبل طبع الكتاب استجابة لولوعه بالدقة العلمية التي كانت إحدى ميزات آثاره، فخصص رحلته الثانية في سنة ١٨٣٣ - ٣٥ لدراسة دقيقة عن الحياة في القاهرة. وكان من عادته في مصر أن يرتدي اللباس الذي يرتديه المصريون، وأن يقتصر في علاقاته على المصريين المسلمين. وقد اتخذ لنفسه داراً في القاهرة وعاش العيشة المعتادة التي يحياها أديب مصري من جميع الوجوه. وكانت هذه الأمور، مضافاً إليها طلاقة نطقه العربي وصحته، وشيء من السمة الشرقية في تقاطيعه، قد مكنته من أن يعيش كمصري بين المصريين، وأن يختلط بالمجتمع القاهري اختلاط الصديق والند. وكان يعرف في مصر باسم (منصور أفندي)

وعند عودته للمرة الثانية إلى إنجلترا نشر كتابه المشهور (وصف شمائل وعادات المصريين المحدثين) في جزءين فقوبل في الحال كأثر خالد، ونفدت الطبعة الأولى منه في أسبوعين، ولحقتها أخريات عديدات، كما أنه طبع في ألمانيا وأميركا واعتبر من مخلدات الأدب الإنجليزي، وهو يحتوي على وصف الحياة القاهرية وعاداتها، قبل أن يحل بها هذا التغيير الذي جعل منها مدنية حديثة. ولذلك فإنه سجل صحيح لعصر يكاد يكون غابراً، بدقة في الوصف فائقة، وهو مستند تاريخي ذو أهمية عليا لا يستغني عنه جميع الطلاب في مصر حتى الآن.

(للموضوع بقية)

عبد الوهاب أمين

<<  <  ج:
ص:  >  >>