إن الروح هي الأصل السماوي، وما الجسد إلا شبح تقمصته عند هبوطها من العالم العلوي
والملكات الروحية تؤثر في الجسد وغرائزه، كما أنها تتأثر منها. وما هذا التفاعل مختلف الأثر باختلاف عوامل شتى، كالوراثة والعادة والمعيشة والبيئة؛ مختلف الأثر في كيان كل شخصية، وفي شعورها بالذات والألم؛ وهذان هما سبب الفضيلة والخير، والرذيلة والشر جميعاً؛ والفضائل والرذائل خلال في البشر على نسب متفاوتة؛ فمنهم من هم أدنى إلى الحيوان، ومنهم من هم أدنى إلى الإنسان المثالي. وفي سورة (الشمس): (ونفسٍ وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد افلحَ مَنْ زكاها، وقد خاب من دساها)
تؤثر الملكات في غريزة حفظ النوع التي هي علة التجاذب القاهر بين الرجل والمرأة، فتلطف من حدتها وتهذبها بقيم أخلاقية هي قوام الحياة الاجتماعية؛ ولكن هذه الملكات لا تكف الغريزة عن العمل. ولذا فهي تخفي فعل الغريزة وراء أستار من المعاني والخيالات والأسماء الشريفة، إذ تسمي الجاذبية في الذكر والأنثى جمالاً، وسلطان الغريزة حباً؛ وتسمى اللذة من وصف الجمال والحب، أو من تصويرهما، فنا. بيد أنها لن تستطيع منع السنة الفطرية إن تبلغ غايتها في حفظ النوع. فإذا كان تغلب الغريزة خطيئة آدم وحواء، فهي خطيئة يذوق الإنسان مرغماً مر عواقبها وحلوه، ولن ينال الغفران وإن كفر عنها ما استطاع بفضائله
وفي ذلك حقائق كشفها الإنسان بخبرته وعلمه
وقد نظر الشاعر الملهم في ماضي الإنسانية البعيد وحاضرها، وأرادت خواطره المجنحة سيرة البشر، ثم عرض بفنه الجميل ما جنت من يانع الثمر، في ملحمة من كنه الشعر وسحر البيان.