للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قائلاً: (أنت تزعم أنك مسلم، فلماذا أتيت إلينا غازياً وأنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفيت؟!)

واشتد اللجاج بينه وبين قازان وقطلوشاه وبولاي. وأتوا للوفد بطعام، فأكلوا منه إلا ابن تيميه. فقيل له: ألا تأكل؟ فقال: كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتم من أغنام الناس، وطبختموه مما قطعتم من أشجار الناس؟!

قيل وطلب إليه عاهل التتار الدعاء فقال في دعائه: (اللهم إن كان عبدك محمود هذا إنما يقاتل لتكوم كلمتك هي العليا، وليكون الدين كله لك، فانصره وأيده وملكه البلاد والعباد. وإن قام رياءً وسمعة وطلباً للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذل الإسلام وأهله فاخذله وزلزله ودمره واقطع دابره) قال هذا وقازان يؤمن على كلامه. ولما خرج الوفد من حضرة العاهل التتري التفت بعضهم إليه قائلاً: كدت أن تهلكنا وتهلك نفسك. والله لا نصحبك من هنا.

والغريب في أمره بعد هذا أن يتبرك به جند التتار ويلوذون به فيدخل دمشق وفي ركابه ثلاثمائة منهم!

كان وقتاً شديداً على الناس، فتحت فيه السجون وخرج منها الأشرار ينهبون، وامتلأت القرى بالجنود، وكثرت المصادرات وراجت الأراجيف والإشاعات؛ كل هذا والشيخ لا ينفك يرأس الوفود ويفك الأسرى ويواسي المرضى

وفي يوم من الأيام رحل جند التتار عن البلاد وانسحبوا إلى عقبة (دمر) ومنها غادروا المدينة تاركين بها أحد الأمراء من الذين انضموا إليهم نائباً عنهم. كل هذا والقلعة صامدة وابن تيميه يدور كل ليلة على الأسوار يحرض الناس على الصبر والقتال ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط

وأخيراً انكشفت الغمة بقدوم عسكر مصر وفتح لهم باب الفرج مضافاً إليه باب النصر. وجاء عسكر الشام وعلى رأسه نائب دمشق جمال الدين الأفرم وكان دخولهم في تجمل زائد الوصف.

ابن تيميه يلازم عسكر الشام في تنقلاته

نفخت روح الجهاد في نفسه نشاطاً جعله يختلف عن غيره من شيوخ عصره؛ فهو بمجرد

<<  <  ج:
ص:  >  >>