الأحدية التي تسيطر على هذا الكون وتقوده إلى الخير الصرف إن تعاليم ابن تيميه خالدة بين الناس، وهي لا تزال تشغلهم وسوف تشغلهم في المستقبل القريب والبعيد، ولكن شخصيته وعمله وبطولته أمور لا تزال خافية على الكثيرين، ولذلك سنحاول أن نعرض لبعض نواحيها. ويسرني أن أكون قد أديت بعض الدين لصاحبها ولمدينة (دمشق) التي ضمت رفاته، ولها في قلبي ونفسي أروع وأسمى مكان
ودمشق إذا افتخرت بتاريخها الخالد وأيامها الغر وآثارها التي نحج من مصر وغيرها لرؤيتها؛ وإذا افتخرت بدولها ورجالها وأبطالها، فمن حقها أن تفخر بابنها البار الإمام ابن تيميه الذي عرض حياته للموت من أجلها، والذي جاهد أكمل جهاد، وذاق مرارة السجن، وتحمل كيد الكائدين، فهو جدير بأن تقام باسمه مدرسة، أو ينشأ باسمه ميدان، أو أن يفرغ لذكراه يوم أو بعض يوم
ابن تيمية المجاهد المرابط ضد التتار
يموج وسط عجيج الناس في دهش ... من نبأة قد سرى في الحي سأريها
(من عمريه حافظ)
كانت سنة ٦٩٩ هجرية سنة مهولة على البلاد، إذ قصد التتار تحت قيادة قازان الأراضي الشامية، ولم يكن هناك بيبرس أو قلاوون ليحميها أو ليخلق من الهزيمة نصراً كما حدث قبل ذلك في عين جالوت أو مرج حمص
كان التتار يغزون وهم على دين آبائهم؛ أما هذا العام فقد جاءوا واسم سلطانهم محمود، وهم يظهرون الإسلام ومعهم المؤذن والقاضي والشيخ والإمام، ليؤمهم في أوقات الصلاة.
جاءوا إلى الشام، وقد اختل أمر مصر والشام، وانضم فريق من أمراء البلاد إليهم، فسلمهم الجزء الشمالي من سورية بغير قتال
وصلوا النبك، واحتوا القطيفة، وانكفأ جيش مصر والشام إلى البقاع وبعلبك، وفتحت دمشق أبوابها عدا قلعتها العتيدة التي أبت أن تستسلم
وكان ابن تيميه في التاسعة والثلاثين من عمره في حركة دائمة، لا يستقر ولا يهمد، لم يقبل أن تترك دمشق بغير أمن، فذهب مع أعيان البلد وقابلوا عاهل التتار، واحتج عليه