إلا أن الشاهد الأكبر فيما نحن بصدده هو هذا الاهتمام من قبل الأمم الغربية بكل جانب من جوانب البحث في البلدان التي تلتفت إليها أنظار الناس على أثر الحوادث الحربية أو السياسية التي تقع فيها. فما مضت أشهر على اشتغال الصحف بقضية الصين حتى امتلأت رفوف المكتبات بالمجلات والرسائل والمجلدات عن كل شيء يعرف - أو ينبغي أن يعرف - من أحوال تلك البلاد، فهذا يكتب عن النهضة الصينية، وذاك يكتب عن زعماء الصين، وغيرهما عن تاريخ السياسة الأوربية في الشرق الأقصى، وغيرهم يكتب عن فن الصين أو أغاني الصين أو عقائد الصين أو محاسن الصين، إلى أشباه ذلك مما يقترن بالصين وأبنائها ولو من بعيد
ومثل هذا حدث في اهتمامهم بروسيا بعد ثورتها الاجتماعية أو بعد حربها الأخيرة مع النازية، ويحدث مثله كذلك حول كل مسألة من المسائل القومية أو العالمية التي ترتبط ببلد من البلدان، حتى ليصح أن يقال إن الحرب عندهم ليست شرا محضا يجلب الخراب وينزل بالبلاء ثم ينتهي أثره عند ذلك، لأنها في الواقع سبيل من سبل المعرفة وباب من أبواب التعارف، وطريق إلى كشف الظلمات عن مجاهل العالم قاضية ودانية.