وإذا قال ناقد أن لتلك الأرواح أسماء تلازمها دلالاتها على شخصيات أصحابها المعينة في الخرافات أو الأساطير أو في التأريخ، وان الشاعر أهمل في قصيدته هذه الدلالات - لأنه لم يدرس الأساطير الإغريقية كما يجب ولم يتفقه اليونانيات،
فان هذا القول اللطيف ليس يمنع أنها أسماء أناس كانوا من البشر، ما عدا هرميس (هرمس)، ولم يكونوا من أنصاف الآلهة ولا من الآلهة اليونانيين الذين خلقهم البشر؛ ولا يمنع أن منطق هذه التحفة يقتضي ألا تظل أرواحهم في السماء على حالها في حياتهم الأرضية الغابرة من الانقياد الكلي للغريزة والشهوات الحسية.
ومع أن هذه الملحمة - في رأينا إنسانية لا إغريقية، فان كلام أبطالها متصل بدلالة أسمائهم المعروفة. فهرميس الذي يقود الأرواح، في الأساطير، يقود هنا روح الشاعر. وروح بليتيس، البريئة في السماء، لا تكون بحالها يوم كانت حبيسة في شبحها على الأرض، أو بحالها يوم تبعث؛ لكن تنم ذكريات من ماضيها الأرضي وماضي سافو في مثل قولها:
حمت رقة الجنس رباته ... فليس بها حاجة للرجال
لكل اثنتين هوى واحد ... تَلاقي على سرّه مهجتان
وفي إجابة تاييس:
حديثك أن لم يكن بدعة ... فحلم جرى في قديم الزمان
وصيحة مخفقة في الهوى ... معربدة الروح سكرى اللسان
أما غضب بليتيس وصاحبتها من أن روح الشاعر مر أمامهن ورآهن فأعرض عنهن (ولم يحي السماء)، فهو غضب ليس يعد من (كبرياء النساء) في شيء، والكبرياء عظمة وتجبر، وانما هذا الغضب ثورة على إهانة. وان امرأة ما من أقل النساء عفة وأكثرهن استهتارا واستسلاما للشهوات، وانهماكاً في الملذات، لتغضب من تغافل رجل عنها، وقد تتظاهر بالأعراض عن رجل لتوقعه في شركها. وروح تاييس ألهمتها الذكريات الأرضية اعتراضها على صاحبتيها اعتراضا يشف عن حقيقة أمرهن جميعا بقولها في الرجال:
إذا خلت الأرض من طيرهم ... فمن ذا يحي الجمال القسيم