للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن يطلق الحب من وكره ... على خطرات الغناء الرخيم

وفيمَ نرقِّش هذا الجناح ... ونصقله ببنان النعيم

بقيت سافو (سفون)؛ فهل كانت حسية بالمعنى الشائع؟ أليس في مؤلفات الذين استوعبوا دراسة اليونانيات رأي آخر أوفي تحقيقا؟ بلى، وهذه هي خلاصته:

أن سافو اتهمت في أخلاقها، لكن يبدو أن أخلاقها كانت سليمة. ويجب أن نلاحظ أنها من قوم ايوليين، كان نساؤهم كنساء الدوريين أكثر حرية من نساء الايونيين الذين كانوا يحجروهن في الحريم: فان هذه المغايرة تعلل ما لمؤلوفي الملاهي الأثينيين من دعابات سيئة القصد، وتعلل تلك الأقاويل المنحولة في سيرة سافو. ويجب أيضا ألا يغرب عن الخاطر أن الإغريق في ذلك العهد ما كانوا وصلوا إلى معرفة التمييز في الأدب بين الهوى الحسي والهوى العذري؛ ولكن لا صلة بين اللذة الحسية التي يصفها الشعر المنسوب خطأ إلى أنا كريون وبين لاعج الغرام الذي تعبر عنه سافو في القليل الموجود من شعرها

وبالنظر إلى هذا الرأي، أن لم يكن بالنظر إلى أن الملحمة إنسانية لا إغريقية، وأن أحوال أبطالها تختلف في السماء عنها في الأرض، جاز لشاعرنا أن يجعل روح سافو في السماء أهدأ منها في تلك القصة المأثورة عنها، ولا غرابة في أن تقول:

رأيت الرجولة كل الجمال ... هو الرجل الفرد في المزدحم

ويحدو العذارى إلى دراهن ... حيَ الخطى موسوي القدم

كلا، أن الشاعر لم يهمل تلك الدلالات التي يغلو بإيجاب مراعاتها المغالون في الإعجاب بمبلغ دراستهم لليونانيات.

فأولئك حوريات في السماء غصبن على الشاعر فاتهمنه في غريزته وفنه. لكن هرميس اله البلاغة ومبتكر الفنون عطفهن معتذرا عنه بأنه رآهن في قلبه، وحيا بقلبه وأطبق ناظريه على ما فيه ضنا بلألاء جمالهن. ودنامنهن روح الشاعر في شبحه قبيل بعثهن فأعجبن بالرجل: استلمت بليتيس صدره وجبينه مستجملة سائلة: أمن حمأ الأرض هذا الجبين؟ فأجاب هرميس: دعى طيفه وانظري روحه. فسألت متجاهلة: هل الرجل الروح؟ فأجابت تاييس: انه محيا وعينان! فقالت سافو: ما في الرجال سوى كل أصيد سبط القوام:

ذراعاه تستدرجان الخصور ... وفي شفتيه حديث الغرام

<<  <  ج:
ص:  >  >>