فصاح هرميس مسيئا بهن الظن: تنزهت عالمي! أينطق فيك روح بهذا الكلم! لقد سبى السحر أجمل أرواح السماء! فقال صوت السماء: بل البعث آذنهن الغداة، وهي الآدمية طافت بهن، فلا تلحهن ولا تلم. وغضب الحوريات حيلة من ناظم الملحة جعلتهن يظهرن شرفهن أو سموهن الروحاني، وينعين على الفنان غريزته وأثرها في فنه أو انحطاطه الجسدي؛ وهي حيلة أثبتت مهارة الشاعر الفنية، ولا سيما أنه نجح بها أولا في شغلهن بمحاورة وصفت ما أراد. شغلهن حديث الفن
في السماء، وكان الفن يشغلهن في حياتهن الأرضية. وغضبن على الفنان الرجل، لكن ما لبثن أن رضين عنه وتهافتهن عليه في نزعة إلى الحسيات، فلم تضع الصلة بينهن وبين تلك الدلالات الغريزة، وبدا طبعهن في حالي السخط والرضى، وأثرهما واحد في كل البشر وان اختلفت درجاته، فهو لا يضر وحدة الشخصية في ذوات الأسماء الإغريقية، لأنهن في الحقيقة يمثلن النساء لا الملائكة
وعندنا أن الشاعر لم يتخذ من الأساطير مادة شعره، وأن اختار منها أسماء، وانما نحت شعره كله من صميم الحياة الإنسانية بالروح والجسد والغريزة جميعا على ما تبين في صنيعه، فلم يكن عليه أن يتقيد بدلالة تلك الأسماء
وتقرير هذه الحقيقة، بعد ما تقدم ذكره هنا وفي المقالة السابقة، تقرير واجب، إذ ليس يجوز التساهل في فهم المادة التي صدر عنها خيال الشاعر
ما القول أذن في البياناتالنثرية الوجيزة الواردة قبل القصيدة عن أصحاب تلك الأسماء؟
الجواب قريب: فهي في نظرنا بيانات تذكر بأنهم كانوا من أهل الفنون، ليكون كلام أرواحهم في الفن وأهله، والقلب وشأنه، والإنسان وغرائزه وخلاله، أحسن وقعا في النفس. وجمالك أيها القارئ الكريم ألا تخدع نفسك بهذه البيانات. أما الذين يتبحرون في العلم بالأساطير واليونانيات فقد يأخذهم الوجد بها حتى يصبح هجيراهم التشبث بدلالة تلك الأسماءكلما صادفتهم في أدب أيا كان وجهه
والبيانات النثرية الأخرى أيضا تذكر بمضمونها لكي يسهل فهم الإشارة في الملحمة إلى السامري وموسى، ومانا وهاواي، وغير ذلك؛ وذكر آدم وحواء في القصيدة فيه كذلك إشارة ضمينة إلى براءة الروح لبراءتهما قبل الخطيئة في الجنة وهو رمز إلى الرجل