للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سفره من القاهرة، فقلقت الخواطر عليه وتألم أنصاره وخلفوا سطوة أعدائه الذين عقدوا النية على النيل منه. وكان الشيخ يحضر الجماعات ويقيم الوعظ فيأتي إليه الناس من أهل الإسكندرية أفواجاً ينصتون إليه ويقرءون العلم عليه، وقد ازدادوا تعلقاً به ومحبة له وتقرباً منه

ووصل إلى دمشق كتاب من أخيه يقول: (. . . إن الأخ الكريم قد نزل بالثغر المحروس على نية الرباط فإن أعداء الله قصدوا بذلك أموراً يكيدونه بها. . . وقد انقلب أهل الثغر أجمعون إلى الأخ مقبلين عليه مكرمين له في وقت ينشر من كتاب الله وسنة رسوله ما تقربه أعين المؤمنين، ولقد استتاب جماعة منهم واستقر عند عامة المؤمنين وخواصهم من أمير وقاض وفقيه)

ويقول ابن كثير - وهو من المراجع التي اعتمدنا عليها مع غيره -: (إن الشيخ أقام بالإسكندرية ثمانية أشهر، وكان سكنه في برج متسع مليح نظيف له شباكان أحدهما إلى جهة البحر والآخر إلى جهة المدينة، وكان ينزل عنده من شاء ويتردد عليه الأكابر والأعيان والفقهاء يقرءون عليه ويستفيدون منه وهو في أطيب عيش وأشرح صدر)

- ٨ -

دارت الأيام دورتها وعاد الملك الناصر إلى عاصمة ملكه بعد زوال حكم أعدائه، وكان ذلك في عيد الفطر المبارك من سنة ٧٠٩ وقد استقبلته في القاهرة، وقبل ذلك بدمشق، دنيا من الأفراح إذ استبشرت العاصمتان بعودة ابن قلاوون إلى ملكه وحيته الجماهير وهتف له ذلك الهتاف المحبوب: (يا ناصر يا منصور).

ولم ينس المليك الشاب في أفراحه الشيخ المجاهد ابن تيميه فأرسل أليه وحضر إلى القلعة معززاً مكرماً مبجلاً. وكان قدومه في ١٨ شوال، وقد خرج مع الشيخ خلق عظيم من الثغر الإسكندري يودعونه بالبكاء لتركه مدينتهم. ولما دخل على الناصر تلقاه ومشى إليه وأنس به في محفل كبير جمع قضاة مصر والشام فأصلح السلطان بينه وبينهم. ونزل الشيخ إلى القاهرة وسكن بالقرب من المشهد الحسيني والناس يترددون عليه من الأمراء والجند وهو يقول لكل من يعتذر أليه: (أنا حللت كل من آذاني)؛ وجدد الشيخ سابق عهده بدمشق ولكن بمدينة القاهرة المعزية - قلب العروبة - فأخذ يقيم حلقات الدروس وبدأ حياة كفاح وجهاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>