وقولك يا سيدي: بخط أفقي، لا ينطق به فصيح، إنما ينطق به أرباب الهندسة، وهو من معرب الكلام الحديث، ورائحة التعبير الأجنبي تفوح منه. وأما ابن الناطق بالضاد، فيقول: وتحته خط. وأحسن من ذلك أن يقال: وقد رسم بخط ريان (أو عريض؟)، وخطّ تحته خطاً توجيهاً للأنظار.
ثم نقلت، يا سيدي، بعض العبارات من المعاجم تأييداً للخطأ وأنه أحسن من الخطآء. والدليل الذي أتيت به هو أن: أرباب الدواوين ذكروا الخطأ المقصور قبل الخطآء الممدود. وهذا برهان ينطبق به الأطفال قبل الحلم، وهل تكون إلى الآن بهذه السن؟ ألا تعلم يا سيدي أن أرباب كتب متون اللغة يقدمون الكلمة القليلة الأحرف، على الكلمة الكثيرتها. خذ بيدك أيّ معجم شئت، وانظر إلى المصادر، أو إلى الأسماء أياً كانت، تر أن الكلمة القليلة الأحرف مقدمة على غيرها. وكذلك يفعل أهل الحساب فإنهم يقولون: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، إلى آخرها.
وأما أن صاحب (الصحاح) ضعف الحرف الذي (ذكر الأب أنه الصواب دون غيره) فهذا لا يعني أنه مصيب فيما قال.
يا سيدي إنك تعلم أن مؤلف الصحاح خّطئ في كثير من أقواله الغوية والنحوية، فكيف تحتج بكلامه، وتسر كل السرور لكونه نطق بتلك الكلم؟ وهناك من أعلى مقاماً منه وهو صاحب الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، وكان معاصراً للجوهري، وقد انتبه لهذه الحقيقة الأستاذ اللوذعي محمد غسان فنقل في الرسالة (٨٩٢: ١٠) ما ورد في ذلك التصنيف المفيد من المقال الزاري على اللآل
زد على ذلك أني أحاول في كل ما أكتب أن أتأثر أحسن من نطق باللغة المضرية باتفاق شهادة جميع قبائل العرب وجميع أمم الأرض قاطبة، فانه كان يحب الازدواج والمشاكلة والإمتاع والمجانسة، فقد قال مثلاً: ارجعن مأجورات غير مأزورات، مع ما في مأجورات من الغلط في نظر بعض حمقى اللغويين. فلما قلت الخطاء أردت أن أبين أن ما كتبه الناشران لكتاب الإمتاع في آخره، حين كتبا: خطأ وصواب، كان يحسن بهما أن يقولا: خطأ (بالمد) وصواب، مجانسة للوزن، لأن كليهما على وزن سحاب، فالقارئ يتذوق طيب هذه المشاكلة إذا ما رأى فيها هذه الموازنة