للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن تتاح فرصة يزور فيها أوربا زيارة الباحث المدقق، ليؤلف كتاباَ في قوة كتابه الأول، ثم صنع الدهر ما صنع فصرفه عما يريد، ولم يبق إلا أن يقنع بالمحصول السابق من الرحلة الثانية، فطبعها قبل أن يموت بثلاث سنين

رحلة أمين فكري

والمؤكد عندي أن رحلة أمين باشا فكري كانت السبب في تردد المويلحي، فقد كان يحب أن يصل إلى دقائق تفوق ما احتوت عليه (الرحلة الفكرية) فما تلك الرحلة؟

الجمهور يجهل أن القاهر شهدت في سنة ١٨٩٢ ظهور كتاب لم تعرف مثله اللغة العربية، وهو كتاب (السفر إلى المؤتمر) في صفحات بلغت ٨٢٣ بالقطع الكبير. وفيه وصف للحيوية الصناعية في البلاد الأوربية، وصف لم يكتب مثله كاتب في الشرق الحديث. وقد كنت شرعت في كتابة بحث أصور به قيمة هذا الكتاب النفيس ثم انصرفت عنه لبعض الشؤون، ولعلي أرجع إليه بعد حين

نحن في صحبة كاتبين وصف أولها معرض باريس سنة ١٨٨٨ ثم وصفه الثاني في سنة ١٩٠٠، فما الفروق بين هذين الكاتبين؟

لا جدال في أن أسلوب المويلحي أروع وأرشق، ولا جدال في أن المويلحي مفطور على الحاسة الفنية؛ ولكن عند الباحث أمين فكري نزعة علمية قليلة الأمثال، فقد وصف المعرض وصفاَ هو الغاية في تعقب الأصول والفروع من حيوات العلوم والفنون

قضى الباحث أمين فكري تسعة أيام في زيارة المعرض، وهو في صحبة أبيه عبد الله باشا فكري، أحد أئمة الأدب في الجيل الماضي، ورئيس الوفد المصري إلى مؤتمر المستشرقين الذي عقد في بلاد السويد والنرويج سنة ١٨٨٩

كان أمين فكري يسجل مشاهداته في كل يوم، وأي مشاهدات؟ كان يتعقب ما ترى عيناه بالبحث والفحص والتشريح ثم يسجل ما يراه بعبارات فصيحة بليغة أغناها الوضوح والتحديد عن التزويق والتنميق

إذا قال محمد المويلحي إن برج أيفل هو أرم ذات العماد، أخذ أمين فكري في سرد تاريخ البرج وتصميماته الهندسية، وانطلق فتحدث عن طبيعة الأرض القريبة من نهر السين، وطاف بشؤون علمية لا تخطر للمويلحي في بال

<<  <  ج:
ص:  >  >>