جواد سيده والنوتية الذين يستخدمون في جر المراكب صاعدين في النهر وقت سكون الجو واشتداد حرارته يقاسون، مثل الكثير من الفعلة الآخرين، تعبا شديداَ.
يعرف المصريون أيضاَ بصلابة الرأي إلى حد الإفراط. وقد ذكرت في فصل سابق أن المصريين اشتهروا منذ عصر الرومان، بامتناعهم عن دفع الضرائب حتى يضربوا ضرباَ موجعاَ. وبأنهم كثيراَ ما يفتخرون بمقدار الجلدات التي ينالونها قبل أن يتخلوا عن نقودهم. وهم لا يرون غرابة في مثل هذا التصرف. وقد حكي لي مرة فلاحاَ فرض عليه الحاكم ما قيمته خمسة شلنات تقريباَ ففضل أن يقاسى الجلد على أن يدفع هذا المبلغ الزهيد، وقرر أنه لا يملكه. فأمره الحاكم بالانصراف وقبل أن ينصرف لطمه على وجهه فسقطت من فمه قطعة ذهبية بقدر المبلغ المطلوب تماماَ، فكان الضرب مع قسوته عجز عن حمله عن الدفع. وتبدو هذه الحال غريبة في طباع المصريين ولكن يسهل تبريرها بأن المصريين يعلمون تماماَ أنه كلما دفعوا عن طيب خاطر طمع الحاكم في أموالهم. على أن المصريين بوجه آخر يمتازون بشدة العناد وصعوبة المقادة بالرغم من امتثالهم الشديد في طباعهم ومهنهم. ويندر أن يحمل المرء الصانع المصري على أن يصنع شيئاَ حسب الطلب تماماَ. فلا بد أن يفضل رأيه على رأي مستخدمه، ويصعب أبداَ أن ينجز عمله في الميعاد المضروب. ولا يعوز فلاحي مصر، مع خضوعهم الشديد لحكامهم، الشجاعة عند ما ينهضون لخصومة بينهم. وهم يبرعون في الجندية ولا شك أن المصريين مثل شعوب الأقاليم الحارة يفوقون الشعوب الشمالية في الاستسلام للشهوات. على أن هذا الإفراط لا ينسب إلى المناخ فقط، ولكن ينسب على الأخص إلى نظام تعدد الزوجات وسهولة الطلاق كلما اشتهى الرجل زوجه جديدة، وإلى عادة التسري. ويقال أيضاَ كما أعتقد حقا أن المصريين، فيما يختص ذلك، يسبقون الشعوب المجاورة التي تماثلهم في الدين والنظم الدينية، وان بلدهم لا يزال يستحق تسمية (دار الفاسقين) التي أطلقها القرآن على مصر القديمة طبقاَ لرأي خير المفسرين، وقد أشاع المماليك الفاحشة في مصر فاصبح الفسق هنا أكثر انتشاراَ منه في البلدان الشرقية، ولكنه على حد القول قل كثيراَ في السنوات الأخيرة
يستبيح المصريين من الجنسين وفي كل طبقة، البذاءة المفرطة في الحديث، حتى أعف النساء وأوقرهن عدا القليل منهن يستعملن الكلام الغليظ، ولكن دون بذاءة. وكثيراَ ما ينطق